فتساءل بشغف: كيف؟ - ماذا أقول؟ إنها عشرة عمر، عرفتها منذ الطفولة كأنما هي قطعة من أثاث البيت، وازدادت العلاقة احتراما بعد أن خلفت أبي، ولعلها دهشت كثيرا عندما آنست مني تغييرا في النظر والكلام، ومثل هذه الأمور لا يغيب مغزاها إلا عن المعتوهين، وهي امرأة طيبة ولكنها لحسن الحظ ليست معتوهة، لما مددت يدي ذهلت، تراجعت، وتلاحقت أنفاسها في اضطراب واضح، الآن كل شيء يمضي على أحسن وجه، ولكن في حذر شديد. - تخاف الفضيحة؟ - طبعا. - لقد حرموك من الزواج، فهل يردن إعدامك أيضا؟ - بل إنه الأدب والحياء من ناحيتي. - المهم هل ارتاحت أعصابك؟ - نعم. - ادع لي.
فقلت ضاحكا: لا عدمتك من قواد كريم!
نعم، لقد حظيت بالراحة ولكن تضاعف شعوري بالقرف والعقم والتفاهة، وتساءلت: ترى هل يحق لنا أن نحسد الأمم المشتبكة في الحرب؟ اعتدنا سماع الأهوال وصفارات الإنذار ورؤية جنود الحلفاء، وأذهلنا تقلب الحظوظ وانكسار الجبابرة. وكنت ألقى علي يوسف مرتين؛ مرة في مقهى الانشراح، والأخرى في المخبأ قبيل الفجر . وقال لي ذات مساء: أريد أن أعرف رأيك بصراحة في أمر هام.
فتساءلت ولا فكرة لي عما سيقول: خير؟
فسألني في شيء من الارتباك: ما العلاقة الآن بينك وبين ملك؟
اقتحمتني المفاجأة، خرست دقيقة، ثم أجبت بصراحة: لا علاقة على الإطلاق. - إني لا أسأل عن العلاقات الرسمية ولكن عن قلبك؟ - الماضي نسي تماما. - ألا يحزنك أن تتزوج اليوم أو غدا؟ - بل أتمنى لها السعادة، ولعل زواجها يقتلع من قلبي رواسب الشعور بالذنب. - سؤال آخر.
فتساءلت مبتسما: أفندم؟ - ما رأيك لو أستأذنك في خطبتها لنفسي؟
فقلت ببساطة: ستجدني أول المهنئين. - أطالبك بالصراحة التي لا تعقب ندما من ناحيتك أو ناحيتي! - بالصراحة نطقت.
كنت صادقا، مرت فوقي سحابة كآبة، لعل رياح الخيبة هي التي دفعتها ولكني لم أكابد حبا أو غيرة، وجثم فوق صدري أكثر من الأول شعور الإحباط واليأس. ويوم رويت ذلك الموقف لعم حمادة الطرطوشي سألني: أكنت شفيت حقا من حب ملك؟
فأجبته بيقين: بكل تأكيد. - ألم تكن تختارها زوجة لو سمحت الظروف؟ - بلى، ولكن لصلاحيتها لذلك. - إذن كانت وما تزال المرأة المفضلة؟ - وكان يمكن أن يقع اختياري على غيرها أيضا!
Halaman tidak diketahui