وتنهد سامح، ثم قال لينهي الحديث الأليم: شكري، احصر انتباهك الآن في دراستك الصعبة، ولما تقف على قدميك افعل بنفسك ما تشاء، أسرتنا لم تقم يوما على الإكراه أو العسف.
وظن أنه تحاشى الزلزال كي يسترد أنفاسه، ولما انفرد لزوجه قال: إنه يتكلم مستندا إلى الدين والتراث، فكيف نناقشه؟
فقالت بحيرة: لن تستطيع أن تقول له إنه مخطئ، أو نقنعه بأننا على صواب. - هذه هي المشكلة!
وضايقه موقفه المتخاذل، فقال مدافعا عن كرامته أمام نفسه وأمام زوجته: لو أن لي رأيا محددا في الدين لألقيت به في وجهه!
وانبثق سؤال من عدم لم يطرح من قبل: ترى ما الرأي في الدين؟! خيل إليه أنه مؤمن بالله ومؤمن أيضا بأنه لا شأن لله بحريته الشخصية، وأن الفرائض لا معنى لها، والخمر مفيدة وممتعة ما احتملتها الصحة، ولكنه مقتنع تماما بأنه لا يستطيع أن يصارح ابنه بذلك، ولم يتصور من قبل أنه سيواجه هذا الموقف الحرج.
وقال لزوجته: إنه يطالبنا بالتخلي عن أجمل ما في حياتنا!
فحركت رأسها بالموافقة دون أن تنبس، فتساءل: كيف نستطيع أن نواصلها دون متاعب؟!
كيف يمارسان حياتهما المألوفة تحت سمعه وبصره؟!
وضاعف من همهما أنه دأب على تجنبهما تماما؛ فهو إما في الكلية أو في جامع الحي، أو في حجرته؛ طعامه يتناوله في المطبخ، إنها مقاطعة مطلقة .. هما نفسهما فضلا ذلك - مع الألم والأسف - على مواجهة أخرى أليمة. إن يكن استطاع أن يتحدى ناقديه طوال حياته بلا مبالاة كاملة فإنه لا يستطيع أن يفعل ذلك في بيته ومع ابنه.. إنها مصيبة لا تخف بمرور الزمن ولكنها تتعقد وتستفحل وتنذر بشر العواقب. - كدرت صفوي، عليك اللعنة!
واضطر أخيرا إلى إحياء سهراته في بيوت أصدقائه بعيدا عن ابنه، وخوفا من أن يقدم على تصرف أحمق يحرجه أمام المدعوين. وحنق على تلك التيارات المتطرفة، واعتبرها غريمه الأول في الحياة. ومضت الحياة في ذلك الجو الكدر حتى قذفته بالمفاجأة الأخيرة، فما يدري ذات يوم إلا وشكري يلقى القبض عليه في أعقاب معركة دامية مع الشرطة بتهمة القتل. أدرك سامح أنه خسر ابنه الوحيد الذي عقد به آماله، وانطلق يبحث عن محام قدير ويدبر له المال اللازم من مدخراته وبيع بعض حلي زوجته. ورفض الشاب مقابلة والديه وأنكرهما، وفسد مذاق الحياة تماما، ومرت الأشهر السابقة للمحاكمة كأسوأ ما تكون الأيام. وتمت المحاكمة وقضي على الشاب بالشنق، ونفذ الحكم، وأسدل الستار على المأساة الدامية.
Halaman tidak diketahui