والوجه الثاني: من أوجه البطلان في قول عالم الطبيعة المعاصر، هو في استخدامه لاسم «فلسفة»، وكأنما يتصورها شيئا مبتور الصلة بالعلم، في حين أنها لا تكون شيئا إذا هي لم تدر مع علم عصرها، أو قل مع محاور ثقافته، دورانا يجعل موضوعها نفسه هو نفسه موضوع العلم، أو أي محور آخر من المحاور الأساسية في عالم الفكر يحدث له أن يكون هو المحور السائد في عصر بذاته، وكل ما في الأمر من اختلاف بين ما هو علم وما هو فلسفة في العصر الواحد، هو درجة التعميم والتجريد، فإذا وقف العلم عند مجموعة قوانينه، جاءت الفلسفة لتستأنف السير بتلك القوانين العلمية ذاتها، نحو «مبدأ» يضمها جميعا، ويكون - بطبيعة الحال - أكثر منها تعميما وتجريدا.
وفي خطوتنا الأخيرة، نعود إلى الطبيبة الناشئة التي ذهبت إلى قضاة الحكم الديني لتسألهم ماذا يكون موقف الأنثى من دراسة الطب والجراحة «وشركها في سؤال شبيه طبيب ناشئ» أما جثة رجل بكل أعضائه أثناء درس التشريح؟ ... أهو حلال لها أم حرام عليها أن تشارك في النظر والبحث؟ ولتلك الفتاة أقول - مع الأسف والأسى - إن موقفها ذاك، بكل ظروفه وتفصيلاته، قد كان له في نفسي وقع الصاعقة؛ لأنه دليل على خلط، ودليل على انعدام الثقة بالنفس، ودليل على أن أملنا في حياة علمية قوية يتبدد مع الريح ...
متطرف تحت المجهر
لا أذكر من هو الشاعر، ولا من هو الخليفة أو الأمير الذي قال الشاعر شعره بين يديه، لكنني أذكر بيتي الشعر اللذين تبادلهما الشاعر والأمير، فوضع كل منهما وجهة نظره في بيت الشعر الذي ارتجله من وحي الموقف، فيبدو أن الأمير (أو لعله كان الخليفة المنصور) كان متسرعا يعجل الفعل قبل أن يتدبره في روية وأناة: فوجه إليه الشاعر النصح في بيت من الشعر، مؤداه أن صاحب الرأي من واجبه أن يتدبر رأيه قبل أن ينتقل به إلى مجال التنفيذ، إذ لا يفسد الرأي إلا أن يتعجل صاحبه إلى الفعل قبل أن يستيقن من صواب ذلك الرأي، وهنا أسرع الأمير (أو الخليفة) بالرد في بيت من الشعر، أجراه على منوال البيت الذي قاله الشاعر، إلا أنه أخذ فيه بوجهة نظر مضادة، إذ قال: إن صاحب الرأي ليس في حاجة إلى التدبر بقدر ما هو بحاجة إلى العزيمة، إذ ليس ما يفسد الرأي هو الإسراع به نحو التنفيذ، وإنما يفسده أن يتردد صاحبه في تنفيذه، وهذان هما البيتان:
قال الشاعر:
إذا كنت ذا رأي، فكن ذا تدبر
فإن فساد الرأي أن تتعجلا
فأجاب الأمير:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإن فساد الرأي أن تترددا
Halaman tidak diketahui