بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
هَذَا فصل مُفِيد من كَلَام الإِمَام الْحَافِظ النَّاقِد ابي عبد الله مُحَمَّد ابْن الذَّهَبِيّ ﵀ قَالَ وَقد كتبت فِي مصنفي الْمِيزَان عددا كثيرا من الثِّقَات الَّذين احْتج البُخَارِيّ أَو مُسلم أَو غَيرهمَا بهم لكَون الرجل مِنْهُم قد دون اسْمه فِي مصنفات الْجرْح وَمَا أوردتهم لضعف فيهم عِنْدِي بل ليعرف ذَلِك وَمَا زَالَ يمر بِي الرجل الثبت وَفِيه مقَال من لَا يعبأ بِهِ وَلَو فتحنا هَذَا الْبَاب على نفوسنا لدخل فِيهِ عدَّة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ والائمة فبعض الصَّحَابَة كفر بَعضهم بِتَأْوِيل مَا وَالله يرضى عَن الْكل وَيغْفر لَهُم فَمَا هم بمعصومين وَمَا اخْتلَافهمْ ومحاربتهم بِالَّتِي تلينهم عندنَا أصلا وبتكفير الْخَوَارِج لَهُم أنحطت رواياتهم بل صَار كَلَام الْخَوَارِج والشيعة فيهم
1 / 23
جرحا فِي الطاعنين فَانْظُر الى حِكْمَة رَبك نسْأَل الله السَّلامَة وَهَذَا كثير من كَلَام الأقران بَعضهم فِي بعض يَنْبَغِي أَن يطوى وَلَا يرْوى ويطرح وَلَا يَجْعَل طَعنا ويعامل الرجل بِالْعَدْلِ والقسط وسوف ابْسُطْ فصلا فِي هَذَا الْمَعْنى يكون فصلا بَين الْجرْح الْمُعْتَبر وَبَين الْجرْح الْمَرْدُود إِن شَاءَ الله.
فَأَما الصَّحَابَة ﵃ فبساطهم مطوي وَإِن جرى مَا جرى وَإِن غلطوا كَمَا غلط غَيرهم من الثِّقَات فَمَا يطاد يسلم أحد من الغلط لكنه غلط نَادِر لَا يضر أبدا إِذْ على عدالتهم وَقبُول مَا نقلوه الْعَمَل وَبِه ندين الله تَعَالَى.
وَأما التابعون فيكاد يعْدم فيهم من يكذب عمدا وَلَكِن لَهُم غلط وأوهام فَمن ندر غلطه فِي جنب مَا قد حصل احْتمل وَمن تعدد غلطه وَكَانَ من أوعية الْعلم اغتفر لَهُ أَيْضا وَنقل حَدِيثه وَعمل بِهِ على تردد بَين الْأَئِمَّة الاثبات فِي الِاحْتِجَاج عَمَّن هَذَا نَعته كالحارث الْأَعْوَر وَعَاصِم بن
1 / 24
ضَمرَة وَصَالح مولى التَّوْأَمَة وَعَطَاء بن السَّائِب وَنَحْوهم وَمن فحش خطأه وَكثر تفرده لم يحْتَج بحَديثه وَلَا يكَاد يَقع ذَلِك فِي التَّابِعين الْأَوَّلين وَيُوجد ذَلِك فِي صغَار التَّابِعين فَمن بعدهمْ.
وَأما اصحاب التَّابِعين كمالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَهَذَا الضَّرْب فعلى الْمَرَاتِب الْمَذْكُورَة وَوجد فِي عصرهم من يتَعَمَّد الْكَذِب اَوْ من كثر غلطه وَغلظ تخبيطه فَترك حَدِيثه.
هَذَا مَالك هُوَ النَّجْم الْهَادِي بَين الْأمة وَمَا سلم من الْكَلَام فِيهِ وَلَو قَالَ قَائِل عِنْد الِاحْتِجَاج بِمَالك فقد تكلم فِيهِ لعذر وأهين وَكَذَلِكَ الْأَوْزَاعِيّ ثِقَة حجَّة وَرُبمَا انْفَرد وَوهم وَحَدِيثه عَن الزُّهْرِيّ فِيهِ شَيْء مَا وَقد قَالَ فِيهِ احْمَد بن حَنْبَل رَأْي ضَعِيف وَحَدِيث ضَعِيف وَقد تكلّف لِمَعْنى هَذِه
1 / 25
اللَّفْظَة وَكَذَا تكلم من لَا يفهم فِي الزُّهْرِيّ لكَونه خضب بِالسَّوَادِ وَلبس زِيّ الْجند وخدم هِشَام بن عبد الْملك.
وَهَذَا بَاب وَاسع وَالْمَاء إِذا بلغ قُلَّتَيْنِ لم يحمل الْخبث وَالْمُؤمن إِذا رجحت حَسَنَاته وَقلت سيآته فَهُوَ من المفلحين هَذَا ان لَو كَانَ مَا قيل فِي الثِّقَة الرضي مؤثرا فَكيف وَهُوَ لَا تَأْثِير لَهُ.
فَمنهمْ فُضَيْل بن عِيَاض ثِقَة بِلَا نزاع سيد قَالَ احْمَد بن أبي خَيْثَمَة سَمِعت قُطْبَة بن
1 / 26
الْعَلَاء يَقُول تركت حَدِيث فُضَيْل بن عِيَاض لِأَنَّهُ روى أَحَادِيث ازرى على عُثْمَان بن عَفَّان ﵁
وَحدثنَا عبد الصَّمد بن يزِيد الصَّائِغ قَالَ ذكر عِنْد التَّفْضِيل وانا اسْمَع اصحاب النَّبِي ﷺ فَقَالَ اتبعُوا فقد كفيتم ابو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي ﵃ قلت لَا يقبل قَول قُطْبَة وَمن هُوَ قطبه حَتَّى يسمع قَوْله واجتهاده فالفضيل روى مَا سمع وَلم يقْصد غضا وَلَا أزرى على أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان بن عَفَّان ﵁ فَفعل مَا يسوغ أفبمثل هَذَا يَقُول تركت حَدِيثه فَهُوَ كما قيل رمتني بدائها وانسلت.
وَقُطْبَة قد قَالَ البُخَارِيّ فِيهِ نظر وَضَعفه النَّسَائِيّ وَغَيره وَأما
1 / 27
الفضيل فلإتقانه وثقته لَا حَاجَة لذكر اقوال من أثنى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ راس فِي الْعلم وَالْعَمَل ﵀.
مُحَمَّد بن إِدْرِيس الإِمَام الشَّافِعِي مِمَّن سَارَتْ الركاب بفضائله ومعارفه وثقته وأمانته فَهُوَ حَافظ متثبت نَادِر الْغَلَط حَتَّى أَن ابا زرْعَة قَالَ مَا عِنْد الشَّافِعِي حَدِيث غلط فِيهِ وَقَالَ مَا اعْلَم للشَّافِعِيّ حَدِيثا خطأ.
1 / 28
وَقَالَ ابو عمر ابْن عبد الْبر روينَاهُ عَن مُحَمَّد بن وضاح قَالَ سَأَلت يحبى بن معِين عَن الشَّافِعِي فَقَالَ لَيْسَ ثِقَة ثمَّ قَالَ يَعْنِي ابْن عبد الْبر ابْن وضاح لَيْسَ بِثِقَة قَالَ ابْن عبد الْبر أَيْضا قد صَحَّ من طرق عَن ابْن معِين انه يتَكَلَّم فِي الشَّافِعِي قلت قد آذَى ابْن معِين نَفسه بذلك وَلم يلْتَفت النَّاس الى كَلَامه فِي الشَّافِعِي وَلَا الى كَلَامه فِي جمَاعَة من الاثبات كَمَا لم يلتفتوا الى توثيقه لبَعض النَّاس فَإنَّا نقبل قَوْله دَائِما فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل ونقدمه على كثير من الْحفاظ مَا لم يُخَالف الْجُمْهُور فِي اجْتِهَاده.
1 / 29
فَإِذا انْفَرد بتوثيق من لينه الْجُمْهُور أَو بِتَضْعِيف من وَثَّقَهُ الْجُمْهُور وقبلوه فَالْحكم لعُمُوم أَقْوَال الْأَئِمَّة لَا لمن شَذَّ فَإِن ابا زَكَرِيَّا من اُحْدُ أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن وَكَلَامه كثير الى الْغَايَة فِي الرِّجَال وغالبه صَوَاب وجيد وَقد ينْفَرد بالْكلَام فِي الرجل بعد الرجل فيلوح خطأه فِي اجْتِهَاده بِمَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهُ بشر من الْبشر وَلَيْسَ بمعصوم بل هُوَ فِي نَفسه يوثق الشَّيْخ تَارَة يخْتَلف اجْتِهَاده فِي الرجل الْوَاحِد فيجيب السَّائِل بِحَسب مَا اجْتهد من القَوْل فِي ذَلِك الْوَقْت.
قَالَ الْمُؤلف رَحمَه الله تَعَالَى وَكَلَامه يَعْنِي ابْن معِين فِي الشَّافِعِي لَيْسَ من هَذَا اللَّفْظ الَّذِي كَانَ عَن اجْتِهَاد وَإِنَّمَا هَذَا من فلتات اللِّسَان بالهوى والعصبية فَإِن ابْن معِين كَانَ من الْحَنَفِيَّة الغلاة فِي مذْهبه وَإِن كَانَ مُحدثا وَكَذَا قَول الْحَافِظ ابي حَامِد ابْن الشَّرْقِي كَانَ يحيى ابْن
1 / 30
معِين وابو عبيد سَيِّئًا الرَّأْي فِي الشَّافِعِي فَصدق وَالله ابْن الشَّرْقِي أساءا فِي ذاتهما فِي عَالم زَمَانه.
وَكَذَا قَول احْمَد بن عبد الله فِي الإِمَام ابي عبد الله هُوَ ثِقَة صَاحب رَأْي لَيْسَ عِنْده حَدِيث وَكَانَ يتشيع فَكَانَ الْعجلِيّ يُوهم فِي الإِمَام أبي عبد الله التَّشَيُّع لقَوْله:
... إِن كَانَ رفضا حب آل مُحَمَّد ... فليشهد الثَّقَلَان أَنِّي رَافِضِي ...
1 / 31
وَكَذَا تكلم فِيهِ بالتشيع بعض اعدائه من كبار الْمَالِكِيَّة لموافقته الشِّيعَة فِي مسَائِل فروعيه أَصَابُوا فِيهَا وَلم يبدعوا بهَا كالجهر بالبسملة والقنوت فِي الصُّبْح والتختم فِي الْيَمين وَهَذَا قله ورع وتسرع الى الْكَلَام فِي الامام فالشافعي ﵀ أبعد شَيْء من التَّشَيُّع كَيفَ وَهُوَ الْقَائِل فِيمَا ثَبت عَنهُ الْخُلَفَاء الراشدون خَمْسَة ابو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَعمر بن عبد الْعَزِيز أفشيعي يَقُول هَذَا قطّ وَقد صنف الْخَطِيب الْحَافِظ مَسْأَلَة الِاحْتِجَاج بالشافعي فشفى وَكفى فَقَوْل الْعجلِيّ لَيْسَ عِنْده حَدِيث قَول من لَا يدْرِي مَا يَقُول فِي حق الإِمَام أبي عبد الله وَمَا عرفه الْعجلِيّ وَلَا جالسه فالشافعي من جلة اصحاب الحَدِيث رَحل فِيهِ وَكتب بِمَكَّة وَالْمَدينَة وَالْعراق واليمن ولقب بِبَغْدَاد نَاصِر الحَدِيث وَهُوَ قَلما يُوجد لَهُ حَدِيث غلط وَالله حسيب من يتَكَلَّم بِجَهْل أَو هوى فَإِن السُّكُوت يسع الشَّخْص نعم لم يكن الشَّافِعِي ﵀ فِي الحَدِيث كيحيى الْقطَّان اَوْ ابْن مهْدي أَو احْمَد بن حَنْبَل بل مَا هُوَ فِي الحَدِيث بِدُونِ الْأَوْزَاعِيّ
1 / 32
وَلَا مَالك وَهُوَ فِي الحَدِيث وَرِجَاله وَعلله فَوق أبي مسْهر وابي يُوسُف القَاضِي وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم واسحاق بن الْفُرَات واشهب وامثالهم فرحم الله الْجَمِيع.
1 / 33
التراجم
إِبْرَاهِيم بن طهْمَان ثِقَة متقن من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَكَانَ مرجئا فَهَذَا رجل عَالم كَبِير الْقدر بخراسان أَخطَأ فِي مَسْأَلَة فَكَانَ مَاذَا فأبمجرد الارجاء يضعف حَدِيث الثِّقَة ويهدر فقد كَانَ من هُوَ اكبر من ابراهيم مرجئا.
1 / 35
إِبْرَاهِيم بن سعد من أَئِمَّة الْعلم وثقات الْمَدَنِيين كَانَ يجوز سَماع الملاهي وَلَا يجد دَلِيلا ناهضا على التَّحْرِيم فأداه اجْتِهَاده إِلَى الرُّخْصَة فَكَانَ مَاذَا قَالَ عبد الله بن احْمَد بن حَنْبَل حَدثنِي ابي قَالَ ذكر يحيى بن سعيد عقيلا وابراهيم بن سعد فَجعل كَأَنَّهُ يضعفهما يَقُول عقيل وَإِبْرَاهِيم ثمَّ قَالَ ابي هَؤُلَاءِ ثِقَات لم يخبرهما يحيى قَالَ وَحدثنَا وَكِيع مرّة عَن ابراهيم بن سعد ثمَّ تَركه بِأخرَة قلت اتّفق أَرْبَاب الصِّحَاح على
1 / 37
الِاحْتِجَاج بإبراهيم بن سعد مُطلقًا مَعَ انه لَيْسَ فِي الزُّهْرِيّ كمالك وَلَا كأبن عُيَيْنَة.
1 / 38
أبان بن يزِيد الْعَطَّار أحد الثِّقَات قَالَ أَبُو حَاتِم صَالح الحَدِيث وَهَذِه الْعبارَة تدل على أَن غَيره من رفاقه أثبت مِنْهُ كهمام وبشار وَقَالَ احْمَد الْعجلِيّ ثِقَة يرى الإرجاء وَلَا يتَكَلَّم بِهِ وَقَالَ ابْن عدي
1 / 39
متماسك يكْتب حَدِيثه قلت هُوَ جَازَ القنطرة وَاحْتج بِهِ الشَّيْخَانِ وَهُوَ من طبقَة همام.
1 / 40
أَبُو ثورالكلبي ابراهيم بن خَالِد الْفَقِيه اُحْدُ الْمُجْتَهدين وثقة النَّاس تعنت ابو حَاتِم كعوائده وَقَالَ لَيْسَ مَحَله مَحل المتسعين فِي الحَدِيث كَانَ يتَكَلَّم بِالرَّأْيِ فيخطئ ويصيب قلت هَذَا غلو من أبي حَاتِم غفر الله لَهُ.
1 / 41
إِبْرَاهِيم بن سعيد الْجَوْهَرِي الْحَافِظ الثِّقَة قَالَ الْخَطِيب وَغَيره ثِقَة وَقَالَ ابْن خرَاش سَمِعت حجاج بن الشَّاعِر يَقع فِيهِ قلت لَا عِبْرَة بِوُقُوعِهِ فِيهِ.
1 / 43
أَحْمد بن الازهر النَّيْسَابُورِي ثِقَة صَاحب حَدِيث رَحل إِلَى عبد الرَّزَّاق فَانْفَرد عَنهُ بِذَاكَ الحَدِيث فِي مَنَاقِب عَليّ ﵁ تكلم فِيهِ ابْن معِين ثمَّ عذره احْتج بِهِ
1 / 44
النَّسَائِيّ وَالنَّاس
1 / 45