وقد اضطرته الحاجة وضيق ذات اليد إلى الاتصال بالملوك والأمراء يستمنحهم ويمدحهم بشعره، فترة من حياته الأولى، مع أن مدائحه لم تخل من الدعاء لهم بالتوفيق، لإزالة الظلم والجور، ونشر العدل على أيديهم (١).
ولكنه حينما أدرك - في مرحلته الأخيرة من حياته - مغبة صنعه آثر العزلة على الحياة العامة، وأخذ على نفسه الميثاق: "بأن لا يطأ بأخمصه عتبة السلطان، ولا واصل بخدمة السلطان أذياله، وأن يربأ بنفسه ولسانه عن قرض الشعر فيهم ... " (٢).
وكان حربًا على الجهلة من أدعياء التصوّف كلما سنحت مناسبة لذلك، يقول في تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (٣): "إذا رأيت من يذكر محبة الله ويصفّق بيديه مع ذكرها، ويطرب، وينعر ويصعق، فلا تشك في أنه لا يعرف ما الله، ولا يدري ما محبة الله، وما تصفيقه وطربه ونعرته وصعقته إلا لأنه تصور في نفسه الخبيثة، صورة مستملحة معشقة، فسمّاها الله بجهله ودعارته، ثم صفق وطرب ونعر وصعق على تصورها ... " (٤).
وفاته
أقام الزمخشري بخوارزم بعد رجوعه من مكة المكرمة، إلى أن توفاه الله تعالى، ليلة عرفة سنة ٥٣٨ هـ (١١٤٣ م) بجرجانيه (٥).
_________
(١) انظر: ديوان الأدب، ورقة (١٦).
(٢) انظر: خطبة مقامات الزمخشري.
(٣) سورة آل عمران، آية ٣١.
(٤) الكشاف ١/ ١٨٤.
(٥) جرجانية: بضم الجيم الأولى وفتح الثانية، وسكون الراء بينهما وبعد الألف نون مكسورة، وبعدها ياء مثناة من تحتها مفتوحة مشددة ثم هاء ساكنة، "وهو اسم لقصة إقليم خوارزم، مدينة عظيمة على شاطئ نهر جيحون وأهل خوارزم يسمونها بلسانهم كركانج".
انظر: وفيات الأعيان ٥/ ١٧٣؛ مفتاح السعادة ٢/ ١٠٠؛ مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع ١/ ٣٢٣.
1 / 53