التمتع عند أبي حنيفة وأصحابه، لا متعة ولا قران لحاضري المسجد الحرام عندهم، ومن تمتع منهم أو قرن، كان عليه دم وهو دم جناية لا يأكل منه، وأما القارن والمتمتع من أهل الآفاق، فدمهما دم نسك، يأكلان منه. وعند الشافعي إشارة إلى الحكم الذي هو وجوب الهدي أو الصيام، ولم يوجب عليهم شيئًا.
وحاضروا المسجد الحرام: أهل المواقيت فمن دونها إلى مكة عند أبي حنيفة، وعند الشافعي أهل الحرم ومن كان من الحرم على مسافة لا تقصر فيها الصلاة" (١).
ونموذج آخر يبين ملكته الفقهية الراسخة في تناوله آيات الأحكام:
قول الله ﷾: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ (٢).
قال الزمخشري: "وبين الفقهاء خلاف في الاعتزال: فأبو حنيفة وأبو يوسف يوجبان اعتزال ما اشتمل عليه الإِزار، ومحمد بن الحسن لا يوجب إلا اعتزال الفرج، وروى محمد حديث عائشة ﵂ أن عبد الله بن عمر سألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض؟ فقالت: تشد إزارها على سفلتها ثم لتباشرها إن شاء، وما روى زيد بن أسلم، أن رجلًا سأل النبي ﷺ ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها (٣)، ثم قال: وهذا قول أبي حنيفة، وقد جاء ما هو أرخص من هذا، عن عائشة ﵂، أنها قالت: يجتنب شعار الدم وله ما سوى ذلك.
وقرئ يطّهّرن بالتشديد، أي يتطهرن، بدليل قوله: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ وقرأ عبد الله: ﴿حتى يتطهرن، ويطهرن﴾ هو بالتخفيف، والتطهر: الاغتسال، والطهر: انقطاع دم الحيض، وكلتا القراءتين مما يجب العمل به، فذهب أبو حنيفة إلى أن له أن
_________
(١) انظر: الزمخشري، الكشاف ١/ ١٢١.
(٢) سورة البقرة: آية ٢٢٢.
(٣) أخرجه الإِمام مالك في الموطأ، وأبو داود نحوه من حديث حرام بن حكيم عن عمه: أبو داود، في الطهارة، باب في المذي (٢١٢)، ١/ ٥٥؛ الموطأ (٩٣)، ١/ ٥٧.
1 / 50