استغفر الله أني قد نسبت بها ... ولم أكن لحميّاها بذواق
ولم يذقها أبي قبلًا ولا أحدًا ... من أسرتي واتفاق الناس مصداقي (١)
نشأته ومراحل حياته
إذا أمعنَّا النظر في حياة الإِمام الزمخشري، نجد أن حياته لم تسر على نمط ونسق واحد، بل طرأت عليها تطورات وتغيرات، وسجل الزمخشري بنفسه كثيرًا من سيرته ومراحل حياته، في قصائد شعرية ومقطوعات نثرية، يستخلص منها الدارس وقائع مجريات حياته على مدى السبعين سنة التي عاشها.
المرحلة الأولى: مرحلة الصبا:
نشأ في قريته (زمخشر) وتعلم فيها مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، ولعله كان على يد والده الذي سبق الحديث عن علمه وفضله، "قيل كان أبوه إمامًا بقرية زمخشر" (٢)، ولا نعرف كثيرًا عن مشايخه، في هذه المرحلة من عمره، حيث لم يهتم المؤرخون بتدوينها. حينما جاوز سن الطفولة وأصبح غلامًا يافعًا، أدى ضيق ذات اليد بوالده إلى أن يسلم ابنه محمود إلى خياط وقال: "أعلمه الخياطة؛ لأنه صار زمنًا مبتلى" (٢)، إلا أن رغبته الشديدة في تعلم العلم جعلته يستعطف أباه ويقول له: "احملني إلى البلد واتركني بها".
وأمام هذه الرغبة الملحة اقتنع والده "فحمله إلى البلد، ورزقه الله حظًا حسنًا، فكفاه الله رزقه" (٣).
يقول الزمخشري عن نفسه، كما يروي ابن خلكان: "إنه لما بلغ سن الطلب رحل إلى بخارى لطلب العلم" (٤). وكانت بخارى في ذلك الحين إحدى مراكز العلوم
_________
(١) انظر: منهج الزمخشري، ص ٢٤.
(٢) انظر: مفتاح السعادة ٢/ ١٠٠.
(٣) انظر: مفتاح السعادة ٢/ ١٠٠.
(٤) وفيات الأعيان ٥/ ١٧٠.
1 / 32