فليكس فارس
على وجهه قطرة جمال تأخذها العيون، وفي مقلتيه يواقيت من الألم لها في تموجات الحدقتين خفقان النجوم على أديم المياه.
هو من الخامسة والأربعين على سنة أو سنتين، إلا أن نزوات الشقاء خلعت على هيكله غبار الشيوخ، فهو فتى مسن. على جبينه خيال فكرة نارية، يحاول أن يتجسد فتعترضه الغضون، كأن هذه الآثار - وهي بقايا الهيكل الروحي الذي بناه العهد الحميدي للإصلاح وأبى العسف إلا أن يهدمه - آثرت البقاء على عفائها فاستعدت على ثورته ذكريات الماضي الأليم.
راض بما قسم له، لم يستعجز نفسه في يوم من الأيام، ولكنه عجم عود بلاده فرآه صلبا على الأحرار - ولا يعرف العود كالعاجم - فوقف بحيث لا تراه بلاده، وقد تكون وقفته هذه وقفة الليث المتحفز للوثوب.
لم أره مرة رخي الصدر؛ فهو في يد العذاب أنى التقيته، وقد يكون هذا الشيطان سجية فيه أو ظلا له.
لا أهم به إلا ويبادرني بقوله: «بي ألم ... وتعب ويأس ...» ثم يقبض على كتفي بجمعه ويستطرد قائلا: «أخاف عليك من جهودك، فلا تسرع بحلب جبينك وقلبك؛ لئلا تجف أثداؤهما وأنت بكر الآمال فتصير إلى ما صرت إليه»، وقد تكون هذه الكلمات إكسير تشاؤمه المستمر؛ ف «فليكس فارس» أمير المتشائمين.
إذا جلست إليه وآنس فيك قلبا وشعورا أخلد إليك، وإلا نبا عنك بلطف وأدب يعميان عليك مجلبة نبوه.
فليكس فارس قلب يتأثر بجميع القلوب؛ لأنه مزيج من جميعها، ودماغ لا يتأثر بأحد؛ لأنه مستقل عن جميع الأدمغة. فإذا حاورته في العاطفة كلمك من جنس كلامك، فإذا أنتما نظيران، أما إذا انتجعت في حديثك جوانب الحجة، فإنه ليظل يدارجك فيها حتى يملكها عليك، فتنبثق عند ذاك عارضة المحامي من بين شفتي الخطيب.
أبغض في أدبه؛ لأنه جلى فيه، وأبغض في بلاده؛ لأنه أحبها، وأبغض في سياسته؛ لأنه أخلص فيها، ولكن هذا البغض المثلث يقود إلى الخلود.
وقد لا توطئ لك هذه الأيام أن تتعرف إلى نفسية «فليكس فارس» إن كنت لا تعرفها؛ لأن هذا الخطيب الشاعر إنما هو رجل الأيام العصيبة، لا تراه إلا في الساعات السوداء وليالي الهول والاضطرابات.
Halaman tidak diketahui