Rum
الروم: في سياستهم، وحضارتهم، ودينهم، وثقافتهم، وصلاتهم بالعرب
Genre-genre
24
وكانت مراكب الأحباش وعرب الجنوب تجوب بحر العرب والمحيط الهندي حتى سيلان، فاتصل يوستنيانوس في السنة 530 أو 531 بالنجاشي «ملك ملوك» الأحباش وحسن له نقل سلع الهند والصين من سيلان إلى مرافئ البحر الأحمر، فاقتنع النجاشي بالأمر وحض عليه تجاره. ولكن الفرس كانوا في مرافئ الهند أوسع نفوذا من الأحباش فقاوموا تجار الأحباش مقاومة شديدة، وفي السنة 532 جاء السلم بين الفرس والروم فعادت الأمور إلى مجاريها الطبيعية وعاد الروم إلى الاستيراد عن طريق فارس.
غير أن العلاقات عادت فتأزمت في السنة 540 - كما سنرى - فلجأ يوستنيانوس إلى تحديد سعر الحرير وأكره التجار على قبول تعرفة حكومية، فشل بذلك نشاط التاجر الفرد ولحق بالتجار اللبنانيين خسارة فادحة كادت تقضي على صناعاتهم، ثم أفلت سر تربية دود الحرير من الصين، نقله قسيسان مسيحيان بين السنة 552 والسنة 554 إلى الروم، فتلقاه اللبنانيون بالتهليل وأقبلوا على تربية دود الحرير في لبنان، وفعل مثلهم يونان المورة وبعض الجزر، فأصبح لدى الروم إنتاج محلي من الحرير استعاضوا به مما كان قد لحق بهم من خسارة وباتوا بمأمن من تحكم الفرس في مقدراتهم، واستطاعوا هم - بدورهم - أن يحافظوا على سر تربية دود الحرير زمنا طويلا.
واتسع نطاق عمل اللبنانيين بنوع خاص فراجت بضائعهم الحريرية في جميع أسواق البحر المتوسط وفي فرنسة وألمانية وبريطانية، ونشطوا في تصديرها إلى الشرق الأقصى، فكثر طلابها في الصين نفسها، وعظمت تجارة القسطنطينية، فتقاطرت إليها المراكب من كل حدب وصوب من مرافئ المتوسط والبحر الأسود؛ لتحمل إليها المواد الخام على أنواعها، وتنقل منها إنتاجها الصناعي، وأصبحت - بفضل هذه التجارة واهتمامها بالفضة - المركز الأعظم للتحاويل المالية وللصرافة أيضا. والإسكندرية بفضل موقعها وعظم مرفأها ظلت تنعم بدخل موفور، وكان أهم ما تتجر به حبوب مصر ومعادن أفريقيا ونفائس الشرق الأقصى، وقامت فيها جالية لبنانية هامة تستغل سوقها العظيمة.
وسر يوستنيانوس بازدهار التجارة، وهنأ نفسه أنه استطاع - بسعيه وحسن تدبيره - أن يقدم «زهرة أخرى» إلى الدولة التي أحب والتي وكل الله إليه أمرها، وليس في كلامه هذا ما لا يتفق والحقيقة؛ فأعمال الحفر والتنقيب في السبعين السنة الأخيرة قد دلت على هذا الازدهار دلالة واضحة.
25
يوستنيانوس والقضاء
وأحب يوستنيانوس النظام، ورغب رغبة أكيدة صادقة في تأمين «العباد الذين وكل الله أمورهم إليه»، وفي نشر لواء العدل بينهم، وتاقت نفسه إلى المجد الروماني السابق، وأراد أن يعيد إلى الإمبراطورية الرومانية سابق وحدتها، وعلم العلم اليقين أن هذا يتطلب أموالا لا حصر لها، فرأى - بنظره الإداري الثاقب - أن أفضل الوسائل لجمع المال من الرعايا هو حمايتهم من ظلم الحكام وتصلفهم، وهكذا عني منذ بداية عهده بجمع القوانين المتراكمة وتنسيقها وتعديلها وفوض أمرها إلى مدبره الكبير تريبونيانوس، فدعا تريبونيانوس هذا لجنة من كبار رجال القانون في الإمبراطورية، وذلك في 13 شباط سنة 528 ووكل إليهم العمل.
وكان أهم هؤلاء - بطبيعة الحال - أساتذة مدرسة بيروت الشهيرة: أناطوليوس بن لاونطيوس، وتلالاوس، وإسطفانوس، ويوليانوس، ودوروتاوس، وإذوكسيوس، وتم الجمع والتنسيق والحذف وما إلى ذلك على يد هذه اللجنة، فظهرت مجموعة القوانين ال
Code
Halaman tidak diketahui