Ruling on Reciting for the Dead
حكم القراءة على الأموات
Penyiasat
محمود مهدي الاستامبولي
Penerbit
الجامعة الإسلامية
Nombor Edisi
الثالثة
Lokasi Penerbit
المدينة المنورة
Genre-genre
مقدمة المؤلف
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، ومن يهد الرسول ﵌ اكتفى، ومن باع المضللين احتشم واختفى.
وبعد: فقد سألنا أخ لنا في الله تعالى عن قراءة القرآن هل يصل ثوابها للموتى؟ فأجبناه بما يأتي:
هديه ﷺ في زيارة القبور
أخرج أبوداود في سننه أنه ﷺ كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: "استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل" ١ حديث حسن. وأخرج أيضا أبو داود وغيره بإسناد حسن أنه ﷺ كان إذا وضع الميت في لحده قال: "بسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله " (٢) .
فليس في هذه الأحاديث أنه قرأ سورة كذا هو ولا أحد أصحابه على القبر كما يفعل ذلك القراء الآن. وكذا رواية مسلم عن أبى هريرة قال: زار النبي ﷺ قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: "أستأذنت ربى في أن أستغفر لها فلم
_________
١ إن هذه السنة منسية- ويا للأسف- وندر من يعمل بها، مما يسبب خسارة كبيرة للميت، فمن الواجب إحياؤها من جديد بالبقاء عند الميت مقدار ذبح بعير يستغفر له ويدعى له بالتثبيت. والحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
٢ وسنده صحيح (مم) .
1 / 9
يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي. فزوروا القبور. فإنها تذكر الموت" - وفى رواية- "فإن فيها عبرة، فإنها تزهد فى الدنيا وتذكر الآخرة".
فظهر أن المعروف عنه ﷺ إنما هو الاستغفار، لا تلاوة القرآن. وهذا هو المنقول١ والمعقول. أما تلاوة القرآن التي هي أحكام الدين وآدابه، وحلاله وحرامه فلا يمكن أن تفيد الميت شيئا قط٢، والقرآن والسنة الثابتة معنا على ذلك.
فيما ينتفع به الإنسان بعد موته
نعم ينتفع الميت بكل ما قررته شريعة الإسلام في كتاب الله وهدى رسوله، فقد ورد في الصحيح أنه يكن قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" ٣.
_________
١ وملخص هديه ﷺ في زيارة القبور الدعاء للموتى والسلام عليهم مع أخذ العبرة، فلا تلاوة الفاتحة ولا غيرها.
٢ ذكر مؤلف هذه الرسالة أدعية مأثورة عن زيارة القبور، ولكن فيها ضعف لذا استعضنا عنها بغيرها مما هو صحيح:
١- " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع، نسأل الله لنا ولكم العافية" ... أخرجه مسلم وغيره والزيادة لغيره وهما موقوفان على الصحابة.
٢- "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" ... الحديث أخرجه مسلم وغيره.
٣- "السلام عليكم (أهل) دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون، إنا إن شاء الله بكم لاحقون. اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد" (مقبرة في المدينة) .
٣ رواه مسلم.
1 / 10
وينتفع الميت بما ورد في حديث: "إن مما يلحق المؤمن عمله وحسناته بعد موته: علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورثه أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه بعد موته" رواه ابن ماجه وابن خزيمة١. وينتفع الميت بعد موته بسنة حسنة سنها فعمل بها من بعده كما روى مسلم في صحيحه أنه ﷺ قال: "من سن في الإسلام سنة فله حسنة أجرها وأجرمن عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء" ٢.
وينتفع الميت٣ بالصدقة عنه كما روى البخاري أن رجلا قال للرسول ﷺ: "إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها؟ ". قال: "نعم". وفى المسند والسنن عن سعد بن عبادة ﵁ أنه قال: "يا رسول الله إن أم سعد ماتت فأي الصدقة أفضل؟ ". قال: "الماء". فحفر بئرا. وقال لأم سعد: "فسقي الماء من الصدقات التى ينتفع بها الميت من ولده". وأخرج مسلم أن رجلا قال للنبى ﷺ: "إن أبي ترك مالا ولم يوص فهل يكفي أن أتصدق عند؟ ". قال: "نعم".
_________
١ وسنده حسن (مم) .
٢ يراجع في رياض الصالحين سبب ورود هذا الحديث، ليعرف جهل وضلال
من يقول بوجود بدعة حسنة، فكل بدعة ضلالة كما جاء في الحديث الصحيح.
٣ على أن تكون من أحد فروعه لقوله تعالى: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾
وقوله ﷺ: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ". رواه مسلم. ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ .
1 / 11
وينتفع الميت بدعاء المسلمين واستغفارهم له لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ﴾ وفى السنن مرفوعا: "إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء" ١.
هذا هو الوارد في هذا الباب مما ينفع الأموات من الأحياء، وليس فيها دليل واحد يستأنس به أو يشم منه رائحة جواز قراءة القرآن للموتى أو سورة مخصوصة كسورة (يس) أو غيرها أو عمل عتاقة بسورة الإخلاص مائة ألف مرة أو سبحة بلا إله إلا الله ألف مرة٢، وسنسرد عليك هنا إن شاء الله أقوال المفسرين والمحدثين والأصوليين وأئمة المذاهب المعروفة، مما يدلك دلالة واضحة على أن كل ما عليه الناس فى مآتمهم وعلى قبورهم، لا يتفق وشرائع الإسلام وهدى الرسول ﵇.
_________
١ وسنده جيد (مم) .
٢ ومثلها في البدعة: اللطيفية ٩٩٩ يا لطيف، يا لطيف، فإن أسماء الله الحسنى كالاسم المفرد: الله، لم يرد الذكر بها، إنما صح الذكر بـ: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله وغيرها مما ورد في السنة ولا ثواب إلا بها، فتأمل!
1 / 12
تمهيد
...
سبحان الله ربنا لماذا أنزل الله تعالى هذا القرآن!؟
هل أنزله لتصنع منه الحجب وتوضع للأطفال والمرضى؟
هل أنزله ليتلى في المقابر على الأموات، ويتخذ منه المتمشيخون وسيلة لابتزاز أموال الناس بالباطل؟
وهل أنزله ليكتبه الدجاجلة على الآنية ليشرب من مائه الضعفاء والمسحورون؟
هل أنزله ليتلوه الكسالى والعاطلون في قارعة الطريق بقصد الاستجداء!؟
هل أنزله ليعلق في صفحة واحدة على الجدران للزينة والبركة وعلى أعناق المتبرجات للحرز!؟
هل أنزله ليصنع منه المشعوذون التمائم ويصيحوا على أبواب المساجد: آية الكرسي والمعوذات والآيات المنجيات بخمسة قروش!؟
هل أنزله ليتغنى به المنشدون ويطرب على نغماته وموسيقاه السامعون، فيرسلون الآهات طربأ كأنهم في ملهى من الملاهي!
هل أنزله لتتخذ منه طريقة للاستخارة والتنجيم؟
هل أنزله ليتلى كالببغاء صبح مساء دون فهم ولا تدبر!؟ هل أنزله بعدما فتح به المسلمون الأولون الدنيا، ليوضع اليوم في زاوية مظلمة يتراكم عليه الغبار!؟ غفرانك يا رب!
ليس لهذا كله أنزلت كتابك العظيم!
لقد أنزلته ليتدبر الناس آياته، وليكون لهم سراجا منيرا.
1 / 5
أنزلته ليكون بشيرا ونذيرا، أنزلته ليكون كتابا للأحياء لا للموتى!
أنزلته ليتخذ منه المسلمون دستورهم ونظامهم سواء في دورهم أو أسواقهم، وسواء في معاهدهم أو محاكمهم!
اللهم قد ضللنا طريق السعادة الذي رسمت لنا، فضعنا وأضعنا: ضعنا وغدونا على هامش الحياة، نتردى في هاوية الفوضى والشقاء نتيجة تمردنا على أهداف القرآن ومخططاته.
فقد قلبنا مفاهيمه ومراميه بطريقة عجيبة لم تسبقنا إليها أمة من الأمم مهما جحدت بكتابها السماوي، فلا نعلم واحدة منها جعلت منه بضاعة للموتى!!
وأضعنا هذه الملايين الشاردة من البشر الذين أخذت منا العهود للتبشير بينهم وهدايتهم.
فأهملنا كل هذا حتى غدوا خطرا علينا وعلى أنفسهم بما اخترعوا من آلات الحرب والتدمير.
لقد بشرنا رسول الله ﷺ منذ أربعة عشر قرنا فقال: " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وسنة نبيه ". رواه الحاكم وسنده حسن.
ولما تمسك به أجدادنا حقيقة وجعلوه منهاجهم في الحياة ونبراسهم في العمل، غدوا سادة العالم وقادة الإنسانية في سنين قليلة.
نقرؤه كثيرا، ولكن لا تتجاوز قراءته حناجرنا.
إننا نقرأه أكثر مما قرأه أسلافنا الصالحون.
نقرؤه دون فهم ولا تدبر ولا عمل حتى صح في كثير منا قول بعض السلف: "كم من تال للقرآن، والقرآن يلعنه! ".
1 / 6
أما آن لنا أن نصحوا من غفلتنا!
أما آن لنا أن نرجع عن ضلالنا!
أما آن لعلمائنا أن يحاربوا هذه البدع والمنكرات؟
وإذا لم يجرؤوا على هذا الجهاد، فهل لهم أن يتنحوا عن الطريق ويفسحوا المجال لغيرهم من المصلحين، فلا ينبذوهم بالألقاب ويتهمونهم بالمروق من الدين؟
إننا لنأمل في هذا العصر العصيب الذي أحاطت بنا فيه الأخطار والمشكلات العائلية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، أن نستيقظ من هذا النوم العميق، فنعمد إلى كتاب الله تعالى، فنتلوه بتدبر وإمعان كدستور، ومنهج في الحياة.
وفى الصفحات التالية بحث هام خطير في سد باب دجل الدجالين، وشعوذة قراء القبور والموتى، يبطل افتراءاتهم الكاذبة وادعاءاتهم الباطلة بالأدلة الصحيحة على كذب ما ذهبوا إليه- سفها وزورا- من وصول ثواب قراءة القرآن الكريم للأموات، ليأكلوا أموال الناس ويحطوا من قدره العظيم!
ونختتم هذه المقدمة بهذه العبارة المؤثرة لأحد المفكرين:
"إنك- يا أيها المسلم- لا تزال أسيرا للمتزعمين للدين، والمحتكرين للعلم، لا تستمد من حكمة القرآن في تشريعك ولا فقهك".
"إن هذا الكتاب الذي هو مصدر حياتك، ومنبع قوتك لا اتصال لك به إلا إذا حضرتك الوفاة، فنقرأ عليك سورة: (يس) لتموت بسهولة.
فواعجبا كيف أصبح هذا القرآن الذي أنزل ليمنحك الحياة والقوة يتلى الآن لتموت براحة وسهولة!
فإلى الثورة على هذه التقاليد البالية البعيدة عن الإسلام.
1 / 7
وإلى محاربة القبوريين الذين سبقوا عرب الجاهلية بشركهم، فهم يسارعون إلى الرمم البالية والموتى في أشد حالات الضيق، كلما الم بهم خطب، أو نزلت بهم مصيبة، يطلبون منهم قضاء حاجاتهم أو يتخذونهم وسائط، فينذرون لهم ويذبحون لهم، ليقربوهم إلى الله زلفى بخلاف هؤلاء الجاهليين الكفرة الذين وصفهم الله بقوله: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ . (العنكبوت: ٦٥) .
وقد سخر الله سبحانه في آيات كثيرة من هؤلاء القبوريين الذين مسخوا عقولهم، وأماتوا ضمائرهم، واستأصل الشرك في قلوبهم بسبب تركهم لكتاب الله ﷾ وتراميهم على الموتى يستغيثون بهم.
﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ . (الأحقاف: ٥) .
﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ . (الحج: ٧٣) . وإلى تطهير شريعتنا مما أدخله علينا المقلدة والأدعياء من باع وأوهام وأساطير.
وإلى حمل مشعل الإصلاح الديني الذي تتوقف عليه نهضتنا وعزتنا. أدعو العلماء والمفكرين وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.
محمود مهدي استامبولي.
_________
ملحوظة: رموز الأحاديث:
محقق مشكاة المصابيح: (مم) .
محقق الجامع الصغير وزياداته (مج) .
1 / 8
أقوال المفسرين
تفسير الإمام ابن كثير:
قال ﵀ عند قوله تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى﴾ أي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب فإنما عليها وزرها لا يحمله عنها أحد كما قال: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾، ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ أي كما لا يحمل عليه وزر غيره كذلك لا يحصل له من الأجر إلا مما كسب هو لنفسه.
قال: "ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي ﵀ ومن اتبعه أن القراءة لا يصل ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله ﷺ أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة ﵃ ولو كان خيرا لسبقونا إليه. وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء. فأما الدعاء والصدقة١. فذلك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما. وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي
_________
١ وذلك بشرط أن تكون من أحد فروعه كما سبق ذكره.
1 / 13
هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية من بعده أو علم ينتفع به " ١. فهذه الثلاثة في الحقيقة من سعيه وكده وعمله كما جاء في الحديث "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه " ٢ والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هى من آثار عمله ووقفه، وقد قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس هو أيضا من سعيه وعمله، وثبت في الصحيح "من دعا إلى هدى كان له من الأجرمثل أجورمن تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا" ٣.
تفسير الإمام الشوكاني:
قال ﵀ عند قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ والمعنى ليس له إلا أجر سعيه وجزاء عمله ولا ينفع أحدنا عمل أحد. وهذا العموم مخصص بمثل قوله سبحانه: ﴿أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ وبمثل ما ورد في شفاعة الأنبياء والملائكة للعباد، ومشروعية دعاء الأحياء للأموات ونحو ذلك. ولم يصب من قال إن هذه الآية منسوخة بمثل هذه الأمور، فإن الخاص لا ينسخ العام بل يخصه، فكل ما قام الدليل على أن الإنسان ينتفع به وهو من غير سعيه كان مخصصه لما في هذه الآية من العموم اهـ.
_________
١ رواه مسلم.
٢ وسنده صحيح (مم) .
٣ رواه مسلم وتمامه: "ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا".
1 / 14
تفسير صاحب المنار:
قال ﵀ في تفسيره عند آية: ﴿وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ في آخر سورة الأنعام بعد بحث طويل، قال ما حصله:
"إن كل ما جرت به العادة من قراءة القرآن والأذكار وإهداء ثوابها إلى الأموات واستئجار القراء١ وحبس الأوقاف على ذلك، بدع غير مشروعة، ومثلها ما يسمونه إسقاط الصلاة ولو كان لها أصل في الدين لما جهلها السلف، ولو علموها لما أهملوا العمل بها".
وقال أيضا: "وإن حديث قراءة سورة يس على الموتى غير صحيح، وإن أريد به من حضرهم الموت. وأنه لم يصح في هذا الباب حديث قط كما قال بذلك المحدث الدارقطني.
وأعلم أن ما اشتهر وعم البدو والحضر من قراءة الفاتحة للموتى لم يرد فيه حديث صحيح ولا ضعيف، فهو من البدع المخالفة لما تقدم من النصوص القطعية، ولكنه صار بسكوت اللابسين لباس العلماء وبإقرارهم له، ثم بمجاراة العامة عليه، من قبيل السنن المؤكدة أو الفرائض المحتمة".
_________
١ صحت أحاديث كثيرة في النهى عن التكسب بالقرآن وقد أجمعت الأئمة الأربعة على عدم وصول ثواب القراءة للأموات إذا كانت بالأجرة، والمال المأخوذ على ذلك حرام، ويأئم الآخذ والمعطى فتأمل!!
1 / 15
قال:"وخلاصة القول إن المسألة من الأمور التعبدية التي يجب فيها الوقوف عند نصوص الكتاب والسنة وعمل الصدر الأول من السلف الصالح.
قد علمنا أن القاعدة المقررة في نصوص القرآن الصريحة والأحاديث الصحيحة أن الناس لا يجزون في الآخرة إلا بأعمالهم ﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا﴾ وقال تعالى: ﴿وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا﴾ وأن النبي ﷺ بلغ أقرب أهل عشيرته إليه بأمر ربه: "أن اعملوا لا أغني عنكم من الله شيئا" ١ وأن مدار النجاة في الآخرة على تزكية النفس بالإيمان والعمل الصالح"اهـ.
ونقل رشيد رضا عن الحافظ ابن حجر أنه سئل عمن قرأ شيئا من القرآن وقال في دعائه: "اللهم اجعل ثواب ما قرأته زيادة في شرف سيدنا رسول الله ﷺ". قال: فأجاب بقوله: "هذا مخترع من متأخري القراء لا أعرف لهم سلفا"اهـ.
] نقول [: "إن كثيرا من المتمشيخين الذين لم يفهموا معنى آية من الكتاب العزيز ولم يفهموا معنى آية ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ ولا معنى الحديث الصحيح: "من عمل
_________
١ جزء من حديث رواه البخاري ومسلم.
1 / 16
عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"١. وحديث: "وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" ٢، هؤلاء هم الذين يتأكلون٣ بالقرآن فحسابهم على الله.
_________
١ رواه أحمد ومسلم.
٢ رواه مسلم بلفظ: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ". ورواه النسائي وزاد "وكل ضلالة في النار" وسندها صحيح (مم) ...
٣ وقد صح في ذلك أحاديث منها: "اقرؤ وا القرآن، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه ". رواه العمادي وقال ابن حجر سنده قوي. ومعنى لا تأكلوا به، ولا تستكثروا به مالكم كما يفعل أكثر القراء المحترفين اليوم حتى جعلوه بضاعة للموتى فيا ويلهم يوم القيامة. ولا تجفوا عنه: لا تتركوا العمل به. ولا تغلوا فيه: لا تحملوا معانيه فوق ما تحمل كالذين حرفوه، فجعلوا له ظاهرا، وباطنا يخالفه، ونتج منه القول بوجود شريعة، وحقيقة.
أقوال أئمة الحديث: قال الإمام النووي في (شرح مسلم) في باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه عند حديث عائشة أن رجلا أتى النبي ﷺ فقال: "يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فلها أجر إن تصدقت عنها؟ ". قال: "نعم". قال الإمام النووي: "وفى هذا الحديث أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصل ثوابها٤ وهو كذلك بإجماع العلماء وكذا أجمعوا على وصول الدعاء وقضاء الدين بالنصوص _________ ٤ إذا كان من فروعه كما ذكرنا.
أقوال أئمة الحديث: قال الإمام النووي في (شرح مسلم) في باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه عند حديث عائشة أن رجلا أتى النبي ﷺ فقال: "يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فلها أجر إن تصدقت عنها؟ ". قال: "نعم". قال الإمام النووي: "وفى هذا الحديث أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصل ثوابها٤ وهو كذلك بإجماع العلماء وكذا أجمعوا على وصول الدعاء وقضاء الدين بالنصوص _________ ٤ إذا كان من فروعه كما ذكرنا.
1 / 17
الواردة في الجميع. ويصح الحج١ عن الميت والصوم٢ للأحاديث الصحيحة فيه، والمشهور من مذهبنا أن قراءة القرآن لا يصله ثوابها"اهـ.
وقال الإمام الصنعاني في كتاب (سبل السلام) عند حديث ابن عباس قال: مر رسول الله ﷺ بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: "السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر". رواه الترمذي بإسناد حسن٣.
قال: "في الحديث دليل على أن الإنسان إذا دعا لأحد أو استغفر يبدأ بالدعاء لنفسه والاستغفار لها، وعليه وردت الأدعية القرآنية ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ...﴾، ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ وفيه أن هذه الأدعية ونحوها نافعة للميت بلا خلاف. وأما غيرها من قراءة القرآن له فالشافعي يقول: "لا يصل ذلك إليه! ""
وقال الإمام الشوكاني ﵀ في شرح المنتقى: "والمشهور من مذهب الشافعي وجماعة من أصحابه
_________
١ كل ذلك بشروط لا مجال لذكرها هنا. كأن لم يحج لعذر، ويذهب عنه أحد فروعه.
٢ وذلك مقيد بصوم النذر فقط، فمن مات وعليه صوم نذر صام عنه أحد فروعه، وقد صح في ذلك حديث. وإلا ترك الكثيرون صوم رمضان ومثله الصلاة وطلبوا من فروعهم قضاءها ...
٣ هذا الحديث ضعيف السند (مج) وقد ذكرنا فيما سبق أدعية صحيحة فى هذا الموضوع.
1 / 18
أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن"١.
[ونقول]: إن مما يدل دلالة واضحة على أن القرآن لا ينفع الموتى ولا يتلى على قبورهم قول رسول الله ﷺ فيما رواه البيهقي بلفظ " اقرؤوا سورة البقرة في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا" ٢ وأيضا: "صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا" ٣. رواه الترمذي والنسائي وأبو يعلى والضياء المقدسي، وصححه السيوطي في الصغير فلو كان القرآن يتلى لنفع الأموات ويقرأ على قبورهم لما قال النبي ﷺ الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم- "أقرؤوا وصلوا فى بيوتكم ولا تجعلوها قبورا". وإنما قال هذا لأن القبور ليست محلا لقراءة القرآن ولا للصلاة، ولهذا لم يرد حديث واحد بسند صحيح ولا حسن مقبول أنه ﷺ قرأ القرآن ولا شيئا منه مرة واحدة في حياته كلها مع كثرة زيارته للقبور وتعليمه للناس كيفية زيارتها.
_________
١ إلا من فروعه طبعا. فإن يصل إليهم.
٢ رواه مسلم بلفظ: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة".
٣ رواه الترمذي والنساثي وسنده صحيح (مج) .
1 / 19
أقوال أئمة المذاهب الأربعة
مذهب أبى حنيفة:
قال في كتاب الفقه الأكبر للإمام ملا علي القاري الحنفي (ص ١١٥): "ثم القراءة عند القبور مكروهة عند أبى حنيفة ومالك وأحمد ﵏ في رواية. لأنه محدث لم ترد به السنة" وكذلك قال شارح الإحياء (ج ٣ ص ٢٨٥) (١) ١.
مذهب الشافعي:
استدل الإمام الشافعي على عدم وصول ثواب القراءة بآية ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ هو وبحديث: "إذا مات الإنسان انقطع عمله ... " الخ.
وقال النووي في شرح هذا الحديث: "وأما قراءة القرآن وجعل ثوابها للميت والصلاة عنه ونحوها، فذهب الشافعي والجمهور أنها لا تلحق الميت".اهـ، وكرر ذلك في عدة مواضع من شرح مسلم.
_________
١ فتوى المذهب الحنفي: قال الإمام البركوي في كتابه (الطريقة المحمدية) في الفصل الثالث في أمور مبتدعة وباطلة أكب الناس عليها على ظن أنها قرب مقصودة ... إلى أن قال: "ومنها الوصية من الميت باتخاذ الطعام والضيافة يوم موته أو بعده ولإعطاء دراهم لمن يتلو القرآن لروحه ويسبح أو يهلل له، وكلها بدع منكرة باطلة والمأخوذ منها حرام للآخذ وهو عاص بالتلاوة والذكر لأجل الدنيا" انتهى ملخصا. وقال الإمام العلامة العيني شارح البخاري: "ويمنع القاريء للدنيا، والآخذ والمعطى آثمان" وقال تاج الشريعة في (شرح الهداية) من كتب الحنفية: "إن القراءة بالأجرة لا يصل ثوابها لا للميت ولا للقاريء".
1 / 20
وقال وفى شرح المنهاج لابن النحوي: "لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور"اهـ.
وسئل العز بن عبد السلام عن ثواب القراءة المهدى للميت هل يصل أولا؟ فأجاب بقوله: "ثواب القراءة مقصور على القاريء ولا يصل إلى غيره". قال: "والعجب من الناس من يثبت ذلك بالمنامات وليست المنامات من الحجج اهـ.
مذهب المالكية:
قال الشيخ ابن أبى جمرة: "إن القراءة عند المقابر بدعة وليست بسنة. كذا في المدخل. وقال الشيخ الدردير في كتابه الشرح الصغير (ج١ ص١٨٠): "وكره قراءة شيء من القرآن عند الموت وبعده على القبور لأنه ليس من عمل السلف وإنما كان من شأنهم الدعاء بالمغفرة والرحمة والاتعاظ"اهـ. وكذلك في حاشية العلامة العدوي على شرح أبى الحسن.
مذهب الحنابلة:
قال الإمام أحمد لمن رآه يقرأ على القبر: "يا هذا إن قراءة القرآن على القبر بدعة". وهو قول جمهور السلف وعليه قدماء أصحابه. وقال أيضا: "والقراءة على الميت بعد موته بدعة"
وقال: "ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعا أو
1 / 21
صاموا تطوعا أو حجوا تطوعا أو قرؤوا القرآن أن يهدوا ثواب ذلك إلى موتى المسلمين، فلا ينبغي العدول عن طريق السلف"١.
وأما حديث "اقرؤوا على موتاكم يس" فهو حديث معلول مضطرب الإسناد مجهول السند. وعلى فرض صحته فلا دلالة فيه قطعا، فإن المراد من قوله "موتاكم" أي من حضرته مقدمات الموت٢.
_________
١ فتوى المذهب الحنبلى: قال الإمام أبو الحسن البعلي (الاختيارات): "ولا يصح الاستئجار على القراءة وإهداؤها إلى الميت لأنه لم ينقل عن أحد من العلماء الإذن في ذلك، وقد قال العلماء: إن القاريء إذا قرأ لأجل المال فلا ثواب له فأي شيء يهدى إلى الميت؟!. وإنما يصل إلى الميت العمل الصالح، والاستثجار على مجرد التلاوة لم يقل به أحد من الأئمة وإنما تنازعوا في الاستئجار على التعليم- أي منهم من أباح الأجرة على تعليم القرآن ومنهم من لم يبحها" وقال في (شرح الإقناع) قال الأكثر: "لا يصل إلى الميت ثواب القراءة وإن ذلك لفاعله".
٢ خلاصة الفتاوى المتقدمة:
يقول الجمهور بعدم وصول ثواب القراءة على الأموات إذا كان بالأجرة، والمال المأخوذ على ذلك حرام ويأثم الآخذ والمعطى. وقال الشافعي: بعدمه- أي عدم وصول ثواب قراءة القرآن- على الأموات بأجرة أو بغير أجرة، وهو الصواب الذي ندين الله به، قال تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾ وقال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ". رواه مسلم.
وإذا كانت قراءة القرآن تصل إلى الميت لما دخل أحد من المسلمين النار لقوله ﵌: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. لا أقول ﴿ألم﴾ حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ". أخرجه الترمذي وقال: "حديث صحيح غريب إسناده".. وهو صحيح (مم) .
وإذا كانت القراءة تصل إلى الموتى فما بال الأحياء لا يضعون آلات تسجيل على القبور يتلى فيها القرآن ليل نهار؟؟ ﴿فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾؟!
1 / 22
كلام علماء الأصول
قال صاحب كتاب "طريق الوصول إلى إبطال البدع بعلم الأصول" بعدما ذكر قاعدة أصولية نفيسة ما نصه: "من هذه القاعدة الجليلة تعلم أن أكثر ما تفعله العامة، هو من البدع المذمومة، ولنذكر لك أمثلة:
الأول: قراءة القرآن على القبور رحمة بالميت، تركه النبي ﷺ وتركه الصحابة مع قيام المقتضى للفعل، والشفقة للميت وعدم المانع منه، فمقتضى القاعدة المذكورة يكون تركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة! وكيف يعقل أن يترك الرسول ﵌ شيئا نافعا لأمته يعود عليها بالرحمة ويتركه الرسول ﷺ طول حياته ولا يقرؤه على ميت مرة واحدة.
الثاني: قراءة الصمدية بعدد معلوم أو الجلالة بعدد معلوم. القرآن في ذاته عبادة لقارئه يتقرب بقراءته وبسماعه إلى الله تعالى ولا ينازع في ذلك أحد، إنما النزاع في قراءته للميت ليكون عتقا لرقبته من النار: مع العلم بأن القرآن ما نزل للأموات وإنما نزل للأحياء١ نزل ليكون تبشيرا للمطيع وإنذارا للعاصي، نزل لنهذب به نفوسنا ونصلح به شؤوننا، أنزل الله القرآن كغيره من الكتب السماوية ليعمل على طريقه العاملون، ويهتدى بهديه المهتدون، قال جل شأنه:
_________
١قال تعالى في سورة (يس): ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ (يا: ٧٥) .
1 / 23
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ .
فهل سمعتم أن كتابا من الكتب السماوية قرىء على الأموات أو أخذت عليه الأجور والصدقات؟! ويقول الله خطابا لنبيه: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ .
أكان النبي ﷺ يقرأ على أصحابه عددا معلوما في الصمدية أو عددا معلوما من الجلالة ليكون ذلك عتقا لرقبتهم وإنقاذا لهم من النار؟! مع العلم بأن من ليس بمعصوم في حاجة إلى تكفير السيئات ورفع الدرجات، أم كانت سنته أن يدفن الرجل من أصحابه ويذهب كل إلى عمله ليس له إلا ما قدم؟ هذه كانت سنته وهذه طريقته، والله تعالى يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ﴾ فلنتأس به في الفعل، كما نتأسى به في الترك"اهـ. كلام صاحب طريق الوصول.
فصل في أشياء تتعلق بذلك
أما ما يروى عن ابن عمر أنه أوصى بقراءة الفاتحة وخواتيم البقرة على قبره، فهو أثر شاذ لم يصح سنده، ولم يوافقه عليه أحد من الصحابة، وكذلك ما يروى من قراءة الفاتحة والصمدية والمعوذتين وألهاكم والكافرون وإهدائها
1 / 24