Semangat Revolusi dan Revolusi Perancis
روح الثورات والثورة الفرنسية
Genre-genre
ونعذر من أخطأ في تصور الحال التي كان عليها أجدادنا الأولون، وذلك أن طرق حياتهم كانت مجهولة قبل الاكتشافات الحديثة، ولكن لا نرى ما يسوغ جهل فلاسفة القرن الثامن عشر ومشترعي الثورة الفرنسية نفسية معاصريهم، فقد عاشوا بين معاصريهم من غير أن يدركوا حقيقة أمرهم أو أن تخطر الروح الشعبية ببالهم، فكانوا يظنون أن العامي رجل طيب ودود شاكر مستعد للإصغاء إلى العقل، وقد دلت خطب أعضاء المجلس التأسيسي على تمكن هذه الأوهام منهم، فلما أخذ الفلاحون يحرقون القصور دهشوا من ذلك كثيرا فخاطبوهم بكلام رقيق سألوهم فيه أن يكفوا عن عملهم لكيلا يحزنوا مليكهم المحبوب وناشدوهم أن يدهشوه بفضائلهم. (2) أوهام الناس في قوة القوانين وفي إمكان فصل الإنسان عن ماضيه
نعد من المبادئ التي اتخذت أساسا لأنظمة الثورة الفرنسية مبدأ فصل الإنسان عن ماضيه ومبدأ إمكان تجديد المجتمع بالأنظمة، فقد اعتقد المشترعون في ذلك الحين أن الماضي - ما عدا القرون الخالية البعيدة - مشبع من الخرافات والأضاليل فعزموا على قطع كل صلة به، ودونوا - لإظهار مقصدهم - تاريخا جديدا وتقويما جديدا مبدلين أسماء الشهور والفصول، وأوجب توهمهم أن الناس أكفاء ظنهم أنهم قادرون على الاشتراع للبشر كلهم، قال كوندرسي: «إن القانون الحسن نافع لكل الناس».
وما علم مشترعو الثورة الفرنسية أن وراء ظواهر الأمور عوامل خفية تسيرها، وأن الإنسان مرتبط بماضيه كثيرا، وهم - لجهلهم فعل الماضي - أرادوا القضاء عليه فقضى عليهم.
كان إيمان المشترعين بقوة النظم والقوانين تاما أيام الثورة الفرنسية، قال غريغوار في المجلس التأسيسي: «إننا لقادرون على تغيير الدين، ولكننا لا نريد ذلك»، والواقع أنهم أرادوا ذلك، ولكن من غير توفيق، فهم لم يلبثوا أن انكشف عجزهم، بعد كل ما أتوا به في عشر سنين، من اضطهاد وتخريب وتحريق ومذابح، في سبيل إلزام الناس بعض القوانين، انكشافا حول وجوه الناس عنهم فاضطر ناپليون إلى ترميم أكبر جانب مما هدموه.
وللتجربة العظيمة، التي قام بها هؤلاء اليعاقبة في سبيل تجديد المجتمع باسم العقل، فائدة كبيرة قد لا تسمح الأحوال للإنسان أن يعيدها مرة أخرى، ويظهر أنها - على رغم قسوتها - غير كافية لتحذير كثير من الناس، فها نحن أولاء نرى الاشتراكيين يقترحون تجديد المجتمع بأجمعه على حسب خططهم الوهمية. (3) أوهام الناس في قيمة المبادئ الثورية
إن مبادئ الحقوق الأساسية التي قامت عليها الثورة الفرنسية مذكورة في بيانات حقوق الإنسان الثلاثة التي نشرت بالتتابع في سنة 1789، وسنة 1793، وسنة 1795، وقد صرحت كلها: «بأن السلطة للأمة».
وهذه البيانات الثلاثة تختلف في كثير من الأمور، ولا سيما في المساواة، فقد جاء في المادة الأولى من بيان سنة 1789: «أن الناس يولدون أحرارا ويعيشون أحرارا، وهم متساوون حقوقا»، وجاء في المادة الثالثة من بيان سنة 1793: «أن الناس متساوون طبيعة»، وجاء في المادة الثالثة من بيان سنة 1795، وهو أكثر اعتدالا من سابقيه: «إن المساواة هي كون القانون واحدا للجميع»، وبعد أن تكلم واضعو هذا البيان الأخير عن الحقوق رأوا أن النص فيه على بعض الواجبات مفيد فشابه الإنجيل في مواعظه، جاء في المادة الثانية منه: «أن واجبات الإنسان والمواطن كلها تنشأ عن مبدأين طبعتهما الطبيعة على القلوب وهما: «لا تعامل الناس بما لا تحب أن يعاملوك به، وعاملهم بما تحب أن يعاملوك به»، والذي بقي من تلك البيانات هو مبدأ المساواة ومبدأ السلطة الشعبية».
للشعار الجمهوري - أي «الحرية والمساواة والإخاء» - شأن كبير مع ضعف قيمته العقلية، ولهذا الشعار الساحر الذي نقش على جدرنا قدرة عظيمة تعدل القدرة التي يعزوها السحرة إلى بعض الألفاظ، وما ألقاه من الآمال في القلوب سهل انتشاره، وقد ضحى ألوف الناس بأنفسهم في سبيله، والآن إذا اضطرمت ثورة في العالم فإن رجالها يستنجدون به.
حقا إنهم يجيدون الاختيار، فذلك الشعار من الأمثال المبهمة الساحرة للنفوس، والتي يفسرها كل امرئ على حسب ذوقه وحقده وخياله، ففي أمر الإيمان لا شأن لمعنى الألفاظ الحقيقي، وما سر قوة هذه الألفاظ إلا بما يعزى إليها من القدرة.
ومبدأ المساواة هو أكثر مبادئ الشعار الثوري دواما، فسنرى في مكان آخر أن هذا المبدأ وحده هو الذي ظل باقيا على وجه التقريب، وأن نتائجه لم تزل بادية للعيان.
Halaman tidak diketahui