resignation
قبل أن تكون آهة شكوى من الزمان! وقد نختلف مع المترجمة في تصويرنا هذه «النغمة» أو في تصورنا «للنغمة» الحقيقية أو المقصودة - ولكن - من ذا الذي يستطيع أن يزعم أن لكل قصيدة أو لكل بيت «نغمة» واحدة فقط - أو نغمة «حقيقية» أو «مقصودة»؟
4
وليكن هذا مدخلنا إلى شيكسبير! فمن ذا الذي يستطيع أن يقطع بأن هذه «النغمة» جادة أو هازلة؟ حقيقية أو زائفة؟ عرضية أي عارضة أو مقصودة؟ وهل رنة السخرية في كلام الشخصية - إذا تأكدنا منها - موجهة إلى الشخصيات الأخرى أم إلى القارئ مباشرة؟
جوليت والمربية.
ومعنى السؤال الأخير هو: هل يمكن لنا (أي هل من المقبول فنيا) اقتطاع أبيات أو فقرات من المسرحية باعتبارها شعرا غنائيا يتحدث فيه الشاعر مباشرة إلى القارئ؟ ولا يظنن أحد أن هذه «زندقة نقدية» أي خروج عن قواعد النقد الفني «المقدسة»، فكل شاعر مسرحي له لحظاته التي يتحدث فيها من خلال شخصياته إلى الجمهور. أو إلى القارئ، وقد يسمع المشاهد صوته واضحا ويدركه القارئ دون عناء، خصوصا عندما ينتقل من سياق الحدث إلى التعليق على حال الإنسان بصفة عامة أو على أشياء بعينها في مجتمعه يعرفها هو وجمهوره خير المعرفة. وهذه جميعا من العوامل التي تؤثر في تحديد «النغمة» ومن ثم في «الترجمة» والأسلوب المختار لها.
وقد صادفت هذه الصعوبة لأول مرة عندما عدت إلى نص روميو وجوليت عام 1992م (أي بعد ما يزيد على سبعة وعشرين عاما) لأترجمه ترجمة شعرية كاملة (بعد الإعداد الغنائي للمسرح عام 1985م) فإذا بي أفاجأ بأن النص الذي كان يكتسي صور الجد من أوله إلى آخره حافل بالهزل وبالسخرية والنغمات المتفاوتة! ولقد رأيت أن التزام النظم وحده لن يحل المشكلة، بل ولا محاكاة القوافي والحيل البلاغية! وتمثل الحل في اللجوء إلى تنويع الأسلوب مثلما يفعل شيكسبير من استخدام النثر حينا والنظم حينا آخر، والعامية في بعض الأحيان، وصولا إلى «النغمات» التي يرمي إليها؛ فالبطل هنا - روميو - ليس في الحقيقة مثلا أعلى للحب (أو للحبيب) الرومانسي ولكنه غلام متهور يحب الحب أي فكرة أو نزعة الاتصال بشخص آخر والتوله به (كما يقول كولريدج) أكثر من حبه - الشخص الذي يمكن - بسبب صفاته وشمائله الموضوعية أن يثير في نفسه هذا الحب! وجوليت فتاة في الرابعة عشرة - سن الزواج في الأيام الخوالي - تركب رأسها وتندفع بطيش المراهقة إلى مغامرة غير محسوبة العواقب فتنتهي نهاية مفجعة! والجو الذي تقع فيه الأحداث هو جو البحر المتوسط بحرارته ونزقه والتهاب عواطفه! وشيكسبير يصر منذ البداية على أن يعزف لنا «أنغاما» مرحة في حوار فكه بالنثر يعتمد على التوريات والنكات اللفظية، وخصوصا ما يمس منها العلاقة بين الرجل والمرأة، بحيث نتهيأ باسمين بل وضاحكين لظهور ذلك المحب الواله وعندها نعرف أن حبيبته اسمها روزالين وأنها قد أقسمت ألا تتزوج وأن تظل عذراء إلى الأبد! وهذا «الموقف المستحيل» يجعل كل ما يقال بشأن الحب ورب الغرام كيوبيد - خصوصا بالقياس إلى غلام أمرد روميو وأصدقائه المراهقين - كلاما ذا نغمات نصف جادة على أحسن تقدير، والفصل الأول يمثل لنا هذه النغمات التي تتراوح بين المعقول واللامعقول، - إذا استعرنا عبارة زكي نجيب محمود - فالفكاهات البذيئة تتطور بلا أي معنى إلى صراع لا معنى له هو الآخر بين الأسرتين اللتين توارثتا كراهية عبثية لا معقولة مما يجعلنا نقبل في هذا الإطار التناقض الأول بين النغمات، كما يصوره غرام فتى يبدو عليه الضياع ولكنه مهذار، فهو يهزل من البداية وحين يلمح سمات الجد على وجه بنفوليو يسأله وليسمح لي القارئ بنقل جوهر هذا التراشق إلى العامية المصرية لتجسيد النغمة الصحيحة «الله! انت مابتضحكش ليه؟» فيرد بنفوليو قائلا: «والله يا ابن عمي أنا عايز أعيط!»، «ليه يا حبيبي ليه بس؟» «على ظلمك وعذاب قلبك!» فيجيئنا رد روميو الحاسم: - بس ده ظلم إله الحب! (ما انت عارفه!) أرجوك ... أنا عندي كفايتي ومش عايزك تحملني زيادة!
هو الحب إيه يعني؟ دخان من الآهات والزفرات! ...
وهكذا! فالواضح أن هذه «نغمات» محب يلعب دور المحب الوامق أي إنه يعي ما يفعله كل الوعي، وأرجو من القارئ أن يعود إلى النص في الترجمة الحالية أو في الأصل الإنجليزي ليرى كيف يطور روميو هذا الهزل ابتداء من السطر 190 (ف1، م1) فالتلاعب بالألفاظ المحسوب والمحكم حتى السطر 200 لا يمكن أن يقدم لنا صورة عاشق جاد أو يؤكد الصورة التي رسمها له والداه وأكدها بنفوليو قبل ظهوره - إلا في حدود ما يسمى بتقاليد الحب العذري
courtly love
Halaman tidak diketahui