Rocambole
الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
Genre-genre
وفيما أنا في ليلة جالس على ظهر السفينة، إذ استوقف نظري شبوب نار هائلة في الشارع الذي كانت فيه الفتاة، ونظرت بالنظارة المكبرة فرأيت النار تشب في نفس الفندق الذي نزلت فيه حبيبتي، وعند ذلك أسرعت مهرولا كالمجانين إلى البر، ولما بلغت الفندق رأيت النار قد شبت في جميع أطرافه، ونظرت تلك الفتاة تصيح وهي واقفة على الشرفة، صياح اليأس ولا سبيل إلى إنقاذها، فهلع قلبي لصراخها، ونظرت حولي عساي أجد منفذا إليها، ورأيت سلما خشبية نصبت على الجدار المحترق، ورجلا في مقتبل الشباب تسلق تلك السلم غير مكترث للموت حتى بلغ إلى الشرفة، فاحتمل الصبية وعاد بها وخشب السلم يلتهب تحت قدميه، حتى وصل بها الأرض، وقد أغمي عليها من الرعب، فأكبر الناس بسالته وجعلوا يهتفون له معجبين بهذه المروءة، أما أنا فإني اقتحمت الجمع حتى وصلت إليه، فجعلت أقبل يده شاكرا ودموع الفرح تنهل من عيني، وكانت المرة الأولى التي خرجت فيها الدموع من عيني، كما كانت أول مرة دخل فيها الحب إلى قلبي، وحتمت على نفسي أن أسفك دمي في خدمة هذا الرجل، وأن أكون له عبدا ما حييت، ولهذا لو سألني السير فيليام أن أتخلى له عن سفينتي وجميع أموالي لفعلت، ولكن لو سألني هذا الكونت أن أقتل السير فيليام لما تأخرت.
فأجفل روكامبول وقال له: من هذا الكونت؟ - هو شاب غني روسي يدعى الكونت أرتوف.
فوقع هذا الاسم على روكامبول وقع الصاعقة، وقال في نفسه: قدر لأندريا أن يفشل حين الانتصار، وأن تأتيه الخيبة والعثرات من حيث لا يدري. ولكنه كظم ما به وسأله: كيف لقيت الكونت؟ - لقيته اليوم اتفاقا قبل أن أجيء إليك.
فقال في نفسه: قبح من اتفاق، فما فسد أعمالنا غير الصدفة، فإنه إذا رأى هذا الربان بشأن اختطاف الفتاة اليهودية إلى أن استقرا على أمر واتفقا على أن يتقابلا في المساء.
وعاد روكامبول إلى الفندق، فدعى إليه فانتير وأخبره بما عزموا عليه من اختطاف اليهودية، ثم أمره أن يذهب إلى مدام فيبار ويخبرها، ثم يبحث وإياها عن أنجع الطرق لاختطافها، وأن يأخذ التعليمات اللازمة عن منزل باكارا وعن طريقة البلوغ إلى الفتاة.
وذهب فانتير وعاد إليه في المساء وأخبره أن مدام فيبار ذهبت إلى المنزل بصفة متسولة، وعلمت جميع غرفه ومنافذه، حتى إنها طبعت أقفال أبوابه بالشمع كي تصنع مفاتيح لها وتدخل المنزل دون أن يشعر بها أحد، وفوق ذلك فقد علمت أن باكارا لا تعود إلى المنزل قبل انتصاف الليل، وأنه لا يوجد فيه سوى اليهودية والخادمة والخادم الكهل، فسر روكامبول وأمر فانتير أن يذهب إلى صانع الأقفال ليصنع المفاتيح، ثم يذهب إلى مدام فيبار ويأمرها أن تراقب في الغد باكارا كي تعلم متى تخرج منه.
وبعد ذلك ذهب روكامبول لمقابلة ربان السفينة، وقد خطر له حين ذهابه هذا الخاطر، وهو أنه إذا شاركنا الربان في اختطاف الفتاة عرف البيت وقد يتفق أن يرى فيه الكونت وباكارا، وفوق ذلك فإن من العار على من بلغ هذا المبلغ في مهنتنا أن يحتاج إلى ثلاثة أشخاص لاختطاف صغيرة، ثم إننا إذا استغنينا عن مساعدة الربان في اختطاف الفتاة فإننا لا نستغني عنه في إيصال باكارا إلى القبائل المتوحشة، ولما كانت باكارا لا تفارق هذا الكونت الروسي فقد وجب قتل الكونت في الحال.
ولما فرغ من الخطة وصل إلى المكان الذي ينتظره فيه الربان، وأخبره أن اختطاف الصبية أصبح ميسورا لأنها تخرج وحدها من المنزل، ووافقه على مقابلته في الغد، ثم رجع إلى الفندق ولقي فانتير وساومه على الكونت بعشرة آلاف فرنك، يدفع نصفها مقدما والنصف الآخر بعد القتل، ووضعا الخطة اللازمة لليهودية.
58
في الساعة التاسعة من تلك الليلة قدم إلى منزل باكارا روكامبول وفانتير، وهو في صباغه الأسود ومدام فيبار، وكان فانتير قد أحضر مفاتيح المنزل، فأخذها روكامبول وجعل يفتح الأبواب، ودخل الثلاثة دخول اللصوص، تتقدمهم مدام فيبار، لأنها كانت عارفة بخفايا المنزل، ولما بلغوا إلى صحن الدار وقفوا يتشاورون، فقال روكامبول: أين غرفة الخادم؟
Halaman tidak diketahui