Rocambole
الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
Genre-genre
ولما فرغت من تمعنها تراجعت إلى الوراء وهي لا تزال مصوبة المسدس، وقرعت على باب الغرفة مرتين ففتح الباب ودخل منه رجلا حسبه أندريا في بادئ الأمر أحد خدام الفيروزة، ولكنه لم يكن إلا الكونت أرتوف الروسي صديق باكارا، وقد دخل مسلحا بمسدس أيضا، فأومأت بيدها إلى أندريا، وقال للكونت: إني أعهد إليك مراقبة هذا الرجل، وحذار من أن يفر. - كوني مطمئنة، فإن قبضتي شديدة ومسدسي لا يخطئ.
ثم أخذت شمعدانا فيه كثير من الشموع وأشعلتها جميعا، ودخلت بها إلى الغرفة التي كان فيها فرناند وليون يوشكان أن يقتتلا، على ما عرفه القراء، فلما دخلت وهي تحمل هذه الأنوار ورأتها الفيروزة فعلمت أنها باكارا، صاحت صيحة رعب ووقفت في مكانها لا تعلم من الذعر كيف تفر.
وكان المنظر هائلا يستوقف الأبصار، فإن ليون كان يحمل بيده الخنجر وهو كالهائم على وجهه لا يعرف أين يغمده ويبحث بين الظلمات عن صدر فرناند، وهو لا يعرفه، وفرناند أصفر الوجه لا يزال يتمايل من السكر واقفا في مكانه ينتظر أن يقتله هذا العدو اللدود، وهو لا يعرف من هو، ولما تبدد الظلام بنور باكارا ورأى كل منهما الآخر صاحا صيحة إنكار، ورمى ليون الخنجر من يده إلى الأرض، ثم ما لبث أن رأى باكارا حتى أطرق بنظره إطراق الخجل النادم، وكذلك فرناند فإن باكارا حلت فيهما حلول القضاء، ولم تكن إلا رسول السلام.
وبعد أن صبرت عليهما هنيهة وهي تبتسم لهما ابتسام المؤنب الظافر، وضعت مصابيحها على المائدة ثم التقطت خنجر ليون ودنت من الفيروزة وهي توشك أن تسقط على الأرض من الرعب، وقبضت عليها بيد من حديد وقالت لها وهي مصوبة الخنجر إلى صدرها: اختاري الآن بين أن تموتي أو أن تبوحي بكل شيء.
وجعل ليون وفرناند ينظر كل منهما إلى الآخر نظر الوجل والانذهال، وهما لا يدركان شيئا من هذه الأسرار، وضغطت باكارا على الفيروزة وسألتها: أيتها الأفعى اعترفي لليون بأنك تريدين وضع ابنه بين اللقطاء، وأن كل ما جرى أمس لم يكن إلا رواية تمثيلية، وأنك كنت السلاح القاتل بل أنت التي كنت تدفعينه إلى قتل فرناند، اعترفي أو تموتي.
ثم أدنت الخنجر من عنقها ووخزتها به وخزا خفيفا، ولما شعرت بالألم ورأت أنها لا نجاة لها إلا بالصدق قالت: رحماك، إني أعترف بكل شيء، وإن كل ما قلتيه حق لا ريب فيه.
فصاح ليون صيحة منكرة وكاد يمزقها بيديه، أما باكارا فإنها أدنت الخنجر أيضا من عنق الفيروزة، وقالت لها: اعترفي الآن أيضا أمام فرناند أنك دعوتيه إلى التوقيع على حوالات تبلغ قيمتها مليوني فرنك لا خمسين ألفا كما أوهمتيه، ثم إنك لم تقتصري على ذلك بل إنك أردت قتله، وبعت حياته بثلاثمائة ألف فرنك ... اعترفي في الحال أو استعدي للموت.
ولم تعد الفيروزة تملك نفسها من الرعب، وقالت: نعم، كل ما تقولينه حق . - والآن قولي للاثنين أنك سحقت قلبيهما وعبثت بشرفهما، وأنك لولاي لكنت قتلت الاثنين، قولي لهما إذا كنت تؤثرين الحياة عن ذلك الشيطان المريد الذي كان يدفعك إلى هذه الآثام، فإنك لم تكوني إلا آلة بين يديه.
ثم ضغطت عليها ضغطة أضاعت صوابها، ووخزتها بالخنجر تريد حملها على الإقرار، فتراءى للفيروزة أن ما بنته من صروح الآمال قد تهدم بلحظة واحدة، وأنها سقطت إلى الحضيض وستعود إلى حالتها الأولى من الفقر المدقع، ثم هالها هذا الموقف الشديد من ذلك الخنجر البراق الذي كان يخز عنقها من حين إلى آخر، فقضي على عقلها وأجابت باكارا بضحك عصبي شديد تبين منه أنها قد جنت لهول ما لقيت، فرفستها باكارا برجلها وقالت: لم يعد لنا بك مآرب بعد أن ضاع صوابك.
ثم التفتت إلى فرناند وليون وقالت لهما: اتبعاني إلى هذه الغرفة المجاورة كي أريكما ذلك الرجل الجهنمي الذي يطاردكما منذ أمد بعيد، ويحاول سلب شرفكما وحياتكما وأقوالكما. اتبعاني فإنه في هذه الغرفة.
Halaman tidak diketahui