وروى في الخبر أنه دخل الجنة صوت من مزمار له، حتى كادت حواء تطير من الفرح، فقالت ما هذا الصوت؟ قال: لسروري بمكانكما، ثم قلب المزمار، فناح نياحة أخذ بقلبها، حتى امتلأت حواء خوفًا، فقالت: ما هذا الصوت؟ فقال حزنا عليكما أن تموتا أو تخرجا منها. فهناك دلهما على شجرة الخلد، لكي يأكلا منها، فيخلدا فيها. ففي وقت الفرح دلهما على شجرة الخلد، ولتخويف الزوال دلاهما بغرور، حتى ذاقا الشجرة، فلما صارا محجوبين بالهم، فلما ذاقا عريا من اللباس،
وانكشف الغطاء عن الذنب، فوليا في الجنة هاربين، فبالفرح، خلص العدو إليه، حتى أكل من الشجرة، فصرعه. وحرم الله ﷿ الخمر لما فيها من ذلك الفرح، لأن إبليس لما سرق العنب من سفينة نوح ﵊، وافتقده نوح ﵇، جاءت الملائكة، حتى يقضي جبريل ﵇ بينه وبين نبي الله صلى اله عليه وسلم على الثلث والثلثين، فكل ما وجده نيا أو مطبوخًا فيه بقية من حظه لم تأكله النار، خاض فيه يديه بفرحة الذي أعطى، حتى يتحول ذلك الفرح من يده إلى ذلك الشراب، وإنما يزبد ويغلي بحرارة يده الملعونة خلق من النار، فإذا شربه الشارب، وقد تحول ذلك الفرح من يده في ذلك الشراب، دب في هذا الشارب، وانكمن العقل، لتدنس يده ورجاسته، فشاربه يحتمل مرارته، وذهاب عقله، وتلف ماله، وألم جسده، والآفات التي تحل به، فإنما يحتمل ذلك كله من أجل ذلك الفرح الذي دب فيه، حتى يصده عن ذكر الله ﷿ وعن الصلاة، ووجد سبيلًا إلى أن يحرش بينهم، ويغري بعضهم ببعض، فحرمه الله ﷿، لئلا يفرح بفرح هو حظ إبليس لعنه الله تعالى.
فكذلك أصوات المعازف والملاهي، تلك الأصوات ممزوجة بالفرح الذي بيده، فلا يلتذ المستمع إلا بما يمازجه من الفرح الذي بيد العدو، فإذا مازجه وسمع الآدمي، هاج بالفرح منه، ودب في جميع جسده، وطرب حتى وثب ورقص كالقرد، فحرم الله ﷿ هذه المعازف، للفرح الممازج من حظ العدو فيها، وأطلق
1 / 65