فطارت هربًا وفرقًا، حتى وقعت أربعة منها في حرم الله ﷿، وأربعة في حرم الرسول ﷺ بالمدينة، وخر موسى ﵊ صعقًا، فصارت الأرض كلها
ذات بهجة وزينة، حتى ظهرت الكنوز على ظهر الأرض، وأبصرت العميان، وصح كل مريض، وبرئ كل زمين، وانفتحت الأرحام، فحملت كل عقيم، وحلى كل أجاج).
فأعلم في هذا الحديث أن الشمس إنما ذهب ضوءها خشعة لله ﷿، وخشوعها خروجها من سربا لها التي سربلت به من نور العرش، فتهافت الضوء؛ فكذلك النفس إذا أحست بالتجلي خشعت له ﷿، وخرجت من جميع شهواتها إلى الله ﷿، وتهافتت أفراحها، وطرآت الشرور، فصارت ذبلة كالميتة، فتخلص القلب من ذلك، وتخلص من أدناسها، فوجد السبيل إلى اله ﷿، بما فيه من المعرفة والعقل، فقرب ثم قرب، ثم زيد نورًا، حتى مكن له بين يديه، فهو يعبده كأنه يراه، وهو قول جبريل ﵇. (ما الإحسان؟ قال. أن تعبد الله ﷿ كأنك تراه). فحسن العبادة مع الترائي، فإذا كان محجوبًا فإنه يعبد الله ولا يلتمس الحسن والزنة في العبادة، بمنزلة رجل دعاه الملك ليقطع ثوبًا بين يديه ويخيطه، فلا يترك هذا الصانع من خفة اليد، وحسن الابتداء، ووجازة الفعل، وإحكام الخياطة وزينتها، إلا صنعه بين يديه، ويريد أن يتجلى بذلك عنده، فيكتسب به جاهًا عنده ومنزلة؛ والآخر رجل دعاه الملك، وقال: أذهب بهذا الثوب فاقطعه وخطه قميصًا، واحمله إليّ، حتى أنظر إليه، فلما غاب عنه ترك خفة اليد، وحسن الابتداء، ووجازة الفعل، وإحكام الخياطة، وأتقنه وزينه، لأنه ذاكر العرض عليه؛ والآخر دعاه الملك فقال: أذهب بهذا الثوب فاقطعه وخطه، وأنفذه إلى فلان الراعي، فلما غاب عنه رفع عنه باله، فكيف قطعة وخاطه جوزة، لنه لم يشعر برؤية الملك، ولا ذكر الغرض عليه، وإن ما به ارتفاع العمل، فيقول: قد عملت، وأخذ الأجرة؛ وإنما جرأه على ذلك غفلته عن رؤية الملك، وعن العرض عليه.
1 / 62