وإنما خبأه عند عبده، يعني آدم ﵇، لأنه بدء الفرح وهو سر الله ﷿، مقرون بسر القدر، لا ينكشف إلا لأهل الجنة فيها، فأمرر بسر العودة لذلك، لأنه خلق مستور، خبأه الله ﷿ عندنا، وأمرنا بحفظه، وسماه سوءة، فحرص العدو على أن يهتك ذلك الستر، حتى يبدوا لنا، وقبل ذلك كان مستورًا عن آدم وحواء ﵉، وإنما بدا بالمعصية، قال الله ﷿: (ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما).
فإنما صير كل جارحة من هذه السبع أمانة عندنا، لأن كل جارحة ذات شهوة، ومجمع الشهوات في النفس، فإذا استعمل هذه الشهوات بإذن الله تعالى، وبلغ بها الحد الذي حده له، فهو مطلق له، وإذا تعدى إلى المحظور صار ملومًا، قال الله ﷿: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويحفظوا فروجهم). ثم أثنى عليهم فقال: (والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، فإنهم غير ملومين). فأزال الملامة عن استعماله في نكاح أو ملك يمين؛ ثم قال ﷿: (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون). فذم من جاوز الحد، وكذلك في كل جارحة على هذه الصفة. فالراعي يحفظ هذه الأغنام حتى يصلح ما فسد منها، على ما وصفنا، فكذلك الذي وقف بمجاهدته على نفسه، يحفظ جوارحه على الحدود، في النظر، والكلام، والاستماع، والأخذ، والعطاء، والبطن، والفرج، فإذا غلب أو زال أو نسى أو غفل، عاد إلى مركز الطاعة بين يدي الله ﷿ بالاستغفار والتوبة؛ فهذا عبد في جهد الاستقامة، وباطنه غير مستقيم، لأن شهوات نفسه قائمة بين يديه، فهو يمنعها بجهد، ومتى ما غفل عنها زل وسقط؛
1 / 51