أبرز القلب سلطانه، فانقادت النفس وسلست، وألقت بيدها سلمًا، وانكمن العدو واختشى. فمن يرض نفسه على ما وصفنا، وأعطاها مناها من الحلال، وانكمش في أعمال البر مستظهرًا به، عجل له ثواب أعمال البر في العاجل نورًا، ففي الصدر ذلك النور، وليس له من القوة ما يمنع النفس من قضاء النهمة، فيمضي في الشهوات الحلال بلا نية، فيتعطل، ويبقى بلا حسنة ولا أجر، ومعه فساد الباطن، من حب الدنيا والرغبة والرهبة من المخلوقين، وخوف فوت الرزق، وخوف المخلوقين، والحسد والحقد، وطلب العلو والجاه، وحب الرياسة، وحب الثناء والمدحة، والكبر والفخر، والصلف والغضب، والحمية وسوء الظن، والبخل والمن والأذى، والعجب والاتكال على العمل، ودواه كبيرة، فكم من فعل سيئ يظهر على أركان هذا مع هذه الدواهي، ففساد القلب وخراب الصدر من الفرح بالدنيا، وأحوال النفس كلما ازدادت النفس فرحًا بهذه الأشياء قويت واحتدت، واشتد سلطانها، حتى تصير شرهة أشرة، بطرة مستبدة، فإذا هويت شيئًا من الشهوات لم يملك القلب من أمرها شيئًا، ولم يتورع عن الحرام، وإن تورع عن الحرام لم يتنزه عن الفضول، وإن ننزه عن الفضول، يتناول ما احتاج إليه على غفلة، وفقد النية والحسبة، فإن تناول بنية وحسبه تناول على فقد ذكر المنة، وإن تناول على ذكر المنة، تناول على فقد رؤية المنة واللطف والبر، فهو أبدا في نقصان، في أي درجة كان، لأنه محجوب عن الله ﷿، وإنما حجبه عن الله ﷿ الفرح بغير الله ﷿.
1 / 44