أحدثت الرواية غضبا عارما، الفتاة في الثالثة والعشرين من عمرها، مجهولة الأب، ليس لها أسرة ولا شهادة ولا بطاقة مختومة، كانت هي روايتها الأولى، تكتبها بقلمها دون أن تكون كاتبة، دون أن تقرأ أساطير الأنبياء ولا الشعراء ولا الأدباء، لم يندرج اسمها ضمن الكاتبات.
قوامها ممشوق من طول المشي سعيا وراء الرزق، يرتكز على عمود فقري صلب، تقاطيع وجهها بارزة حادة من شدة النحافة، منحوتة في عظام قوية كالصخرة.
كان موسم الانتخابات على الأبواب، تسبقه فضائح الجنس والفساد للمرشحين والمرشحات، تحظى النساء بنصيب أكبر بطبيعة الحال.
وكان هناك مجلس للشيوخ يسمونه مجلس الشورى، يضم الحكماء من الذكور المسنين، والحكيمات من النساء المسنات، بطل الرواية عضو بالمجلس، في الرابعة والخمسين، أصغر الأعضاء سنا، يبدو شابا رياضيا، يمارس لعبة الجولف كل يوم، بشرته ملوحة بالشمس، عيناه يكسوهما بريق، يرتدي بدلة أنيقة، وربطة عنق زاهية الألوان، حليق الوجه بلا شارب ولا لحية، تفوح منه رائحة معجون الحلاقة «لافندر»، خطوته واسعة سريعة يعمل في مؤسسة صحفية كبيرة، صدرت له ثماني روايات، مشغول بكتابة الرواية التاسعة، اسمه «رستم».
كان رستم يتمشى على كورنيش النيل في الليالي القمرية الدافئة، يتوقف أمام الكشك على الناصية، يسمونه «بوتيك»، صاحبه شاب من أبناء الشهداء، يرتدي جلبابا أبيض ولحية طويلة سوداء، تتدلى المسابح فوق واجهة البوتيك، والمصاحف ذات الأغلفة الذهبية، والمباخر وإمساكيات رمضان وأحجبة النساء.
يتهلل وجه الشاب كعادته حين يرى رستم قادما: أهلا سعادة الباشا!
يناوله الشاب القطعة الصغيرة مما توضع في الشيشة أو تحت اللسان، والرواية الملفوفة داخل حجاب سميك من الورق لا يشف العنوان، وإمساكية الصيام. كان شهر رمضان على الأبواب، ومعه معركة الانتخابات. - الأخبار إيه يا محمد؟
صوت رستم فيه بحة ذكورية خشنة، مملوءة بالرجولة مع الدخان الكثيف، تجذب الشابات الصغيرات القارئات لرواياته الشائعة. - الدولار طالع يا سعادة الباشا والجنيه نازل يرف.
يناوله رستم مظروفا بني اللون مرسوما عليه رأس النسر، مغلفا بشريط من السيليوتيب، يحمله الشاب بيديه الاثنتين بعناية شديدة، كأنما طائر يخشى أن يحلق بأجنحته ويطير، ثم يختفي وراء قبو خشبي داخل البوتيك، بعد دقائق قليلة يخرج حاملا كيسا من البلاستيك الأسود. - عدهم يا سعادة الباشا. - أعد وراك يا محمد؟ - يلزمك كم إمساكية يا باشا؟ - حسب الناخبين ... ألفين ... ثلاثة ... أربعة. - الناس كلها معاك وربنا معاك. - ربنا فوق الجميع.
في الليل قبل أن ينام ينزع رستم الغلاف السميك عن الرواية، كأنما ينزع الملابس عن امرأة، يعشق القراءة مع الدخان والكأس، تتحرك شهوته للمحرمات، مثل الآخرين والأخريات، وكل ممنوع مرغوب كما يقولون.
Halaman tidak diketahui