أما علماء الاجتماع فقد بحثوا عن هذا «الطيب» فيما أسموه حقوق الإنسان، أعني أن هذا الطيب هو حق الإنسان الاجتماعي، وأن على القوانين والعادات أن تتفق مع هذا الحق الاجتماعي، وقد كان قرار استقلال أمريكا في سنة 1776م مبنيا على الحق «في الحياة والحرية والسعادة»، وبعد ثلاثة عشر عاما من ذلك التاريخ قررت الجمعية الفرنسية الوطنية حق الإنسان في «الحرية والملكية والأمن ومقاومة الظلم».
فها نحن نرى أن أكثر هذه المقررات سرعان ما بات سرابا خادعا، ففيما يختص بالحرية، ظلت تجارة العبيد بعد قرار استقلال أمريكا.
وفيما يختص بمقاومة الظلم كانت الحرية ترفرف على ربوع فرنسا والظلم يجري دهاقا في مستعمراتها.
وفيما يختص بالملكية كان النداء بالديمقراطية ثم بالاشتراكية نداءا صريحا ضد الملكية.
وإذن فالميدان السياسي الاجتماعي لم يحل مشاكلنا، ولم نصل عن طريقه إلى خير عام مقرر يصلح لأن يكون لجميع الأزمان، إذن فلا مناص أن نعود أدراجنا للفلسفة؛ فقد تعودت الفلسفة أن تكون دائما أصدق معين وسند حينما تعجزنا السبل الأخرى.
فإذا لجأنا إلى الفلسفة وجدنا أننا لا بد أن نبدأ بأسياد الفلسفة، لنرى هل من الممكن أن تنفعنا أراؤهم القديمة اللذيذة في هذا العصر المتجهم المر؟
لقد كان «أفلاطون» و«أرسطو» ومن قبلهما «سقراط» يعتقدون أنه لا حاجة بنا لأن ندل أي إنسان على الطيب؛ لأن ذلك مطبوع في النفس الإنسانية.
ولقد قالت «سانت أوجستين»: «إن الخلق الطيب كالوقت، أعرف ما هو بدون أن تسألني عنه»، معنى ذلك أن في النفس نوعا من البصيرة نولد بها ولا نكتسبها، ويمكننا أن نسمي هذه البصيرة «الضمير الفردي»، ولكن هذا الرأي لا يمكن قبوله اليوم؛ لأن هذه البصيرة لا يمكن أن توهب للناس جميعا على حد سواء، ثم إن هذا الضمير «الفردي» قد يتبدل بتبديل الأحوال والبيئات والظروف، فمن يدري ربما كان «نابليون» يعمل تبعا لوحي ضميره «الفردي».
فلما جاء عصر غير عصر نابليون انقسم الناس فريقان؛ فريق اعتبره عبقريا ومصلحا، والثاني اعتبره سفاحا ومجرما.
ولما كان علم النفس هو الابن البكر للفلسفة فقد مالت عليه تسأله رأيه، فجاء برأيين، الرأي الأول: أن الأخلاق «غرائز اجتماعية» يعني بذلك أن الغرائز التي نولد بها إنما جعلت لنحافظ بها على أنفسنا أولا، وبعد ذلك تجعلنا صالحين للاجتماع، وإذن فهناك غرائز تنحى وأخرى يفسح لها المجال للظهور حتى تصبح «عادات اجتماعية»، ولكن هذا الرأي ينهار إذا اعتبرنا أن هذه «العادات الاجتماعية» هي خلاصة «الغربلة» ونهاية التجارب؛ لأننا نلاحظ أنها ليست أكثر من طلاء تمسحه ظروف طارئة كالحرب والمرض والحب والغضب، ويتضح من ذلك أن هذه العادات الاجتماعية ليست غير قشرة لا يمكن الاعتماد عليها مطلقا.
Halaman tidak diketahui