يبدو مما ذكرت أن الرجولة الناضجة هي الرجولة الخالية من الأخطاء السالفة؛ أي هي سلامة من العقد، وإيجابية واتزان وغيرية، أما سلامة الشاب من العقد، فمعناها أن لا يكون الصراع عنده مرضيا مبنيا على قوى متضاربة مكبوتة، وقد فصلت المؤلفة «كوسجريف» ذلك تفصيلا واضحا في كتابها «سيكولوجية الشباب»، فذكرت أن الصراع قد يكون بين الحقيقة والواقع، وبين ما نتخيله وبين ما نحن عليه في الحقيقة، وبين فكرتين وبين عاطفتين، وبين الرغبة والطلب وبين الروحانية والمادة، وبين ما هو إنساني وغير إنساني، وبين الذاتية والطاعة وبين القيود والحرية، وبين فكرتنا عن نفسنا وفكرة الناس عنا.
وهذا الصراع مع الأسف ينتهي إلى أمرين: (1) الشقاء الملازم. (2) تمزق الشخصية.
وقبل أن أصف العلاج لهذه الأخطاء أضيف كلمة عن الحب عند الشباب، فأقول: إنه شيء جدي جدا في حياة الشاب والشابة، والعلاقة التي بين شاب وأول فتاة يعرفها قوية جدا وعميقة، وهو يبني على تلك العلاقة أهمية كبرى ويصاب بحزن بالغ يوم تنفصم.
على أن الإنجليز يسخرون منه ويسمونه
Calf Love
أي الحب العجول! ولست من هذا الرأي ولا أميل إلى السخرية بالحب في دور الشباب، فإن آمال الحياة وما تتطلبه من الاستقرار تتركز عند الفتاة في شاب يمثل أحلامها، وعند الشاب في فتاة تطابق أمانيه المتخيلة، فيجب أن لا نتسرع بعدها نزوات، ولكن المهم هو أن نميزها من سطحيات المراهقة.
أما العلاج، فهو: (1) على الشاب أن ينظر نظرة صادقة مجردة عن التحيز لنزعاته وأهوائه. (2) عمل «ميزانية» للمطالب وتصفيتها بين حين وآخر؛ لنعلم بالضبط ماذا نأخذ وماذا ندع. (3) على الشاب أن يتسم بطابع من المرونة ليس فيه ميوعة ولا تخنث، حتى يمكنه أن ينسجم مع الوسط؛ لأن الشخصية تماسك وهدف وفي الوقت ذاته تفاعل بين الفرد والوسط. (3) على الشاب أن يعلم أن النجاح في كيفية الوسيلة لا في بلوغ الهدف، وأن كثيرا من الإخفاق أنبل وأشرف من هدف متحقق. (4) على الشاب أن يعلم بأن هذه الأخطاء طبيعية ومتوقعة ولا يجب أن تعتبر مهانات نعاب عليها ونخجل منها ونداريها ونطليها بطلاء خادع كاذب.
هذا ما يجب على الشاب، أما ما يجب على المربي فهو أن يعلم أن من الأخطاء ما يمكن أن يستغل فيصير كمالا، أو أرفع من الكمال، فمن صفات المراهقة المثالية والحماسة وعبادة البطولة، فيمكن أن تستغل هذه الصفات استغلالا كاملا على شرط أن لا تتحول المثالية إلى صراع، والحماسة إلى اندفاع عاطفي جامح، وعبادة البطولة إلى هدم وموت ضمير ووصولية.
هذه هي أخطاء الشاب وواجبات الشباب، وقد وجدنا أن أكثرها من صنع المربي، وقد وضح لنا أن أغلبها امتداد لظل سابق، فلنبدأ بتلافيها قبل وقوعها، وهذا هو العلاج الواقي الناجع.
رسالة النقد
Halaman tidak diketahui