كانت تتكلم بلهجة التي تعرف ما تريد، ولا يمكن أن يثنيها شيء عن تحقيقه. كلام ولهجة وشخصية ما أكثر ما تقابلها في الجيل الأمريكي الجديد! الجيل الذي لم يزجره أب ولا نصحته أم، المدلل الذي عودوه منذ الصغر أن تكون رغباته ونزواته قوانين تتطوع الأسرة بتقديمها وهو طفل، ويفرضها بالقوة وهو كبير. وكانت جميلة جمالا لاتينيا متفجرا وإن كانت الحياة في ميامي قد شذبته وأمركته وصبغت أنوثتها - كمعظم الفتيات الأمريكيات - بعناد الذكور وحقوقهم، وأحيانا بصفاقتهم وخشونتهم. حقيقة تدفعك للعجب أن تكون هي نفسها الفتاة التي تجمدت محمرة خجلا منذ وقت قليل؛ فقد كان باديا عليها أنها من صنف وجيل لم يعرف الخجل ولا جربه، ولا يستحي حتى من رغباته الخاصة جدا؛ إذ هو يعتبر أن كل ما يريده ويحس به قانوني وحلال. ثم لماذا الإحساس بالخجل أمام الناس، ولا أحد يقيم لهؤلاء الناس وزنا أو يعطيهم الحق في الحد من حريته وحرية تعبيره عن رغباته؟ ربما كانت هذه المرة الأولى التي يدهمها فيها إحساس كهذا وعلى تلك الصورة، وربما أيضا، ولأنه الوحيد الذي استطاع أن يجبرها على هذا الموقف الأنثوي الخالص. لن تنسى أبدا لهذا الميتادور فعلته، بل الواضح أنها بدأت، وقد خرجت وعادت تحمل الزهور - تصرف أنثوي آخر - بدأت تنسى كل شيء. مزارع التبغ وميامي والقضية وأباها وحتى كاسترو، ويصبح همها الوحيد في دنياها - هنا - معلقا بهذا المثلث الشاحب الرشيق، بوجه صديقي الذي اخترته أنا الآخر، ولأسباب أخرى كي أغدق عليه اهتمامي وأرعاه رعاية الأب لابن ضال.
الفصل العاشر
ودوت أصوات الأبواق عالية بحيث سمعها الجميع هذه المرة، ولفت أصداؤها أنحاء «الأرينا». ورفع مراقب المصارعة السبورة الخشبية التقليدية التي يكتبون فيها اسم المصارع. كنت أعرف ومتأكدا هذه المرة أنه دور صديقي الميتادور، ولأنني استغربت أن أكن له كل ما أشعر به وأنا لا أعرف مجرد اسمه؛ فقد حاولت أن أدير رأسي مع السبورة كي أقرأ الاسم من مكاني والمراقب يلوح بها في كل اتجاه، ولكني لم أستطع. وعرفت حينئذ أن علي أن أظل أجهل اسم ذلك الصديق حتى وهو يخوض للمرة الثانية مأزق الموت والحياة.
وبينما خلت الساحة تماما من المصارعين الذين اختفى كل منهم وراء أقرب حاجز خشبي، دوت أصوات الأبواق مرة أخرى.
وفتح باب الممر المؤدي إلى الحظيرة.
ودخل الثور هائجا كالعادة، مندفعا متفجرا.
ولكن دخوله قوبل بآخر ما كنت أتوقعه؛ فقد انفجرت في الحال بقع احتجاجات متفرقة، وبدأت الصيحات تنتشر وتشمل مساحات أوسع من الجمهور.
كان واضحا أن الجمهور لا يعجبه الثور، ويرى أنه أصغر سنا مما يجب وأقل قوة.
وكانت الصيحات تطالب بتغييره.
وبدأت معركة خفية بين المشرفين على «الفييستا» وبين الجمهور؛ المشرفون هدفهم الإسراع بالإجراءات التمهيدية لوضع الجمهور أمام الواقع، والجمهور يقاوم هذا بكل قوته ويطالب بتغيير الثور.
Halaman tidak diketahui