Lelaki yang Saya Kenal
رجال عرفتهم
Genre-genre
وكان كثير من الشبان المصريين قد تفرقوا بين الأحزاب السياسية في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى، فمال معظمهم إلى جانب الحزب الوطني؛ لاقتراب السن والتعليم بين مصطفى كامل «الحقوقي» وطلاب مدرسة الحقوق، الذين كانوا أكثر الطلاب اشتغالا بالسياسة، ومالت طائفة منهم إلى حزب الأمة وهم في الغالب أبناء الأسر الذين تألف الحزب من آبائهم وذويهم، ولم يجنح أحد من الشبان إلى حزب الشيخ علي يوسف وهو حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية؛ لأن خطة الحزب كانت إلى «الدبلوماسية» أقرب منها إلى السياسة أو إلى الدعوة الوطنية، وكان «المؤيد» يتبع في كتابته أسلوب الصحيفة التي تعتبر لسانا شبيها بالرسمي للقصر والحاشية الخديوية، وليس هذا الأسلوب بالذي يروق الشاب أو يوافق حماسته الفتية، ولم يكن الإعراض عن «المؤيد» من جانب واحد؛ لأنه إعراض متبادل من الطرفين، وكان علي يوسف يأبى على الطلاب أن يشتغلوا بغير الدراسة في سنوات التعليم، وكان مذهبه أن ينتظر رجال الغد إلى أن يأتيهم غدهم الذي هم رجاله، أما قبل ذلك فكل ما كان يرتضيه الشيخ منهم أن يدينوا بشرعة الولاء لأمير البلاد.
وكنت من فريق الشبان القلائل الذين نفروا من الأحزاب منذ اللحظة الأولى، فلم يكن لي حزب أتعصب له وأنتمي إليه، ولم تكن لي صحيفة أتشيع لسياستها ومنهجها في كتابتها، ولكنني كنت أفضل «الجريدة» في جانب الثقافة، وأفضل «اللواء» في شدته على الاحتلال والوزارة، وأقرأ «المؤيد» لمقالاته الشرقية والإسلامية، وأعتقد أن الخطة المثلى هي خطة «مصر للمصريين» تمييزا لها من خطة المحافظة على السيادة العثمانية، وكان بعضهم يترخص في تسمية هذه الخطة وأصحابها باسم «حزب المفتي»؛ لأن الأستاذ الإمام محمد عبده - رحمه الله - كان أشهر المعروفين بذلك الرأي في تلك الفترة، ومعه في ذلك سعد زغلول وأحمد لطفي السيد.
على أنني - في المعارك القلمية - كنت أجد نفسي إلى جانب مصطفى كامل كلما نشبت الخصومة الحامية بينه وبين علي يوسف، وكنت أكتب إلى اللواء منتصرا له كلما دخلت المعركة في دور من أدوار المساجلة الأدبية، ومن ذاك أن الشيخ علي يوسف كان يكثر من تلقيب مصطفى كامل بالطائش، ويتخذ لهذا اللقب شفيعا من حساب الجمل بموافقة مجموع الحروف في كلمة طائش واسم مصطفى كامل بذلك الحساب! وكنت يومئذ أدرس حساب الحروف والطوالع فيما كنت أحاوله من فضول الاستطلاع، فلفقت لعلي يوسف لقبا مساويا لاسمه بذلك الحساب، وهو لقب «نوري» بفتح النون أو ضمها على السواء، ومعنى نوري بالفتح أنه من شذاذ الآفاق المعروفين باسم النور، وكان هو متهما بالانتساب إليهم، كما كان يقال عنه إنه من «المسلمانية» الدخلاء من ناحية جده الأول، وواجهه خصومه في قضية الزوجية بهذه الدعوى أمام القضاء الشرعي، ليثبتوا أنه غير كفء للزواج من بنت «السادات» ويؤيدوا بذلك طلب التفرقة بين الزوجين. •••
ثم حدثت المعركة القلمية التي جمعت الرأي العام كله - على تعدد ألوانه وأذواقه - في صف واحد مع الشيخ علي يوسف، والتي سمع فيها صاحب المؤيد هتافا بحياته بعد عشر سنوات مضت من أيام قضيته التي اشتهرت باسم قضية «التلغرافات» وظل فيها الشيخ علي «بطل الساعة» في حومة الصحافة بضعة شهور، وقد كان الهتاف بسقوط «المؤيد» وحياة «اللواء» يتكرر ويتواتر في المظاهرات الشعبية، حتى أصبح - على حد تعبير الظرفاء - من أولاد البلد كليشيهات مسموعة، وحتى اضطر الشيخ إلى التسليم بها، وعمد إلى الشعر لتعزية نفسه ومكايدة خصومه كلما واجهوه بمظاهرة من مظاهراتها، فنظم هذين البيتين:
يدعون للواء بالحياة
لأنه يعد في الأموات
ويهتفون: يسقط المؤيد
لأنه نحو السماء يصعد
أما المعركة القلمية التي أعادت الهتاف بالحياة والتحية إلى مسمع الشيخ، فهي معركة عنيفة دارت بين الصحف ورجال السياسة حول توديع اللورد كرومر بعد خطابه الذي ألقاه على ملأ من كبار الموظفين وأصحاب المقامات «الرسمية» من المصريين والأجانب والشرقيين، ولعل الشيخ علي يوسف قد «صعد إلى سمائه» في هذا الأفق؛ لأنه أفق الكتابة «الدبلوماسية»، ولأنه استطاع بالأسلوب «الدبلوماسي» أن يعزل اللورد كرومر وحده في ذلك الموقف بين مختلف التيارات السياسية، أو استطاع أن يكون دبلوماسيا وحماسيا إلى الغاية في دفاعه عن ولي نعمته «الخديو عباس الثاني» خصم كرومر اللدود.
كتب الشيخ علي مقاله في السابع من شهر مايو (1907) وهو اليوم التالي لإلقاء الخطاب، فاشترك في التهليل له والإعجاب به قراء الصحف من كل طائفة وطبقة ومن كل مشرب ونزعة، وأهدى إليه جوهري كبير محبرة من الفضة المذهبة، وازدحمت رحبة «المؤيد» بالمتظاهرين والهاتفين من الطلاب وجمهرة الشباب، ومنهم أزهريون، ودرعميون، وحقوقيون، وموظفون. وتلقى «المؤيد» رسائل التأييد ممن لم يكن يؤيده أو يطيف به من قريب أو بعيد، فأصبح «المؤيد» لفظا ومعنى، وكان «أولاد البلد» يأبون عليه أن يكون كذلك إلا بالقاف القاهرية؛ لأنه «يقيد» بقيود الأمير.
Halaman tidak diketahui