فيه نحافة تكسبه مسحة من الإرهاق فكأنه لا ينام ولا يأكل، ملامحه إيرانية صميمة؛ البشرة الملوحة بالشمس، والأنف المستقيم الحاد، والعينان الواسعتان السوداوان فيهما نظرة صريحة كاشفة، تعري الأشياء بقسوة تصبح مع الصدق نوعا من الحنان، له رواية طويلة بعنوان «لعنة الأرض» وصف فيها مأساة الفلاحين في إيران، وكتاب بعنوان «غرب زدكي» ومعناه «سحقا للغرب» هاجم فيه المبادئ الغربية الاستعمارية. وقد منع هذا الكتاب في إيران، لكن تلامذة جلال آل أحمد طبعوه في كاليفورنيا ووزعوا منه في إيران خمسين ألف نسخة سرا، وقال جلال آل أحمد: وإنني أسهل على تلامذتي هذا العمل فأكتب على غلاف الكتاب أنه حر للطبع في أي مكان وزمان دون قيد أو شرط ودون أي حقوق للمؤلف، فيطبع منه ما يطبع ويوزع منه ما يوزع.
وله مؤلفات عن قضية فلسطين، آخرها كتيب صغير كتبه بعد حرب 5 يونيو 1967، لكن السلطات في إيران صادرته، وحرقت دار النشر التي نشرته، فهرب به بعض تلاميذه إلى الخارج حيث طبعوه، وترجم إلى اللغة العربية ووزع في بيروت.
كنا نجلس في حديقة بيته الصغيرة، وجاءت زوجته الدكتورة «سيمين دانشوار» وهي أستاذة في جامعة طهران، لها أيضا مؤلفاتها، ومجموعة من القصص بعنوان «النار المطفأة». احتفظت باسم أبيها دانشوار ولم تحمل اسم زوجها جلال آل أحمد، ملامحها تشبه ملامح المصريات، وجو من الألفة يسود، وأشعر كأنني في بيتي في مصر، وسيمين تضع صينية الطعام والشاي الساخن أمامنا.
وأمسك جلال آل أحمد ورقة وقلما ورسم خريطة إيران والخليج العربي، ووضع نقطة أعلى الخليج كتب عليها «أبان»، ونقطة أخرى في أسفل الخليج عند عنقه الضيق وكتب عليها «يحرس مسندم»، وكتب إلى جوارها 1000 طن بترول، ثم أمسك أحد مؤلفاته وأخذ يقلب في صفحاته بأصابع طويلة رفيعة، واستقرت أصابعه فوق بعض السطور، وضع تحتها خطا عريضا بالقلم.
الآن 90 درصد نفت إسرائيل لإيران ميدهد وأنوقت حكومت إيران إذ ترس أعراب إعلامية ميدهد كه مادر مقابل كمياني هيجكارة أيم، إيشان خودشان نقت رابهركه بخواهند مي فورشندا.
وقال بصوت حزين: هذه الكلمات معناها أن 90٪ من بترول إسرائيل من عبدان من عندنا! يا للخجل ويا للعار!
وتأملته طويلا في صمت ثم قلت: وكيف تعيش في إيران بكل هذه الأفكار الخطيرة؟
وقال في هدوء: أعيش لأني لست وحدي، معي مجموعة كبيرة من الشباب والكتاب نلتقي كل أسبوع مرة في أحد المقاهي الصغيرة، ولقد فصلت من وظيفتي ثلاث مرات، ولكني لست موظفا، أنا كاتب وفنان.
وسألته: ماذا تكتب الآن؟
قال: انتهيت من دراسة جديدة عن إسرائيل في حوالي 400 صفحة استغرقت مني سنوات. - وهل ستنشرها هنا؟ - إذا استطعت. - وإذا لم تستطع؟ - سينشرها تلامذتي بالخارج كما حدث للمؤلفات الأخرى.
Halaman tidak diketahui