138

** ولا شك في يد الله تعالى في هذا وفي كل شيء ، ولكن الفرق بين

العالم والجاهل هو في معرفة الأسباب المتوسطة ، فالعالم يرى ثمة الأسباب ، وكلما ازداد علما طالت معه السلسلة ، فلا يزال يرتقي من سبب إلى سبب ، ومن معلول إلى علة ، حتى يقف حماره في العقبة ، فيقول : لا أدري ، أو يقول : هكذا خلق الله.

وأما الجاهل فإنه يصل إلى الله رأسا ، ويحذف السلسلة المتوسطة (1).

** على أن العالم والجاهل مستويان في العجز عن معرفة الكنه.

فهذه الصخور التي في الحجاز لا بد من أن تكون لأوضاعها وأشكالها هذه أسباب طبيعية متولدة عن أسباب سابقة ، والذي يراها أول وهلة يحكم أن هذه التجاويف والتقاعير ، وهذه الملوسة ، وهذا التدور ، وهذا الترأس ، وغير ذلك إنما هي من عمل الريح والماء في ملايين من السنين. وأن هذه الصخور العالية المشرفة المنتصبة على رؤوس أكوام أشبه بالأنصاب ، كأنها التماثيل التي ينحتها البشر بأيديهم ، وينصبونها فوق مكان مرتفع إن هي إلا بقايا صخور كانت كثيرة متلاصقة ، فلم تزل سحب الأمطار الغزيرة تجرف من حولها الأتربة اللازقة بها ، وتخل بموازنة بعضها ، فتهوي به من محله ، وتجره إلى الوادي ، وتعري القائم الباقي منها ، وتجرده من التراب ، فيصير أملس مع شدة صلابته.

ولقد وجب الآن أن نذكر شيئا عن نظريات العلماء في شأن الصخور فنقول :

Halaman 174