Perjalanan Masa Nubia
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
Genre-genre
ولم يكن هذا هو الهاجس الوحيد، فقد فوجئنا بماء يرتطم في القاع يمنة ويسرة كلما اهتز القارب وقطع موجة من التموجات العديدة التي يزخر بها تيار النهر، وانتابنا فزع مكتوم: أيحتمل أن يكون بالقاع شرخ أو كسر يتسرب منه الماء إلى الداخل بعد أن ثقلت لندا؟ وأخذنا نرقب الماء بين الحين والحين فنجده في ازدياد ملحوظ، وبدأت العلب الفارغة في القاع تتحرك مع حركة الماء، محدثة أصواتا أحالتنا إلى كتلة اختلط فيها الخوف والفزع، لكن تماسك كل منا محاولا إخفاء مشاعره تحت ابتسامة باهتة.
وكان لا بد أن نفعل شيئا، وانتابتنا حركة محمومة فقررنا أولا أن نرفع المحرك من الماء لنرى العطب، ولكن كلما رفعنا المحرك ازدادت سرعة لندا، فقررنا أن نترك المحرك ليزيد الثقل نتيجة الاحتكاك بالماء، وتداولنا قليلا ثم اتفقنا على نزح الماء من باطن القارب كخطوة أولية، وبكل ما وجدناه من علب فارغة أخذنا ننزح الماء نحن الثلاثة بهمة ونشاط، وحينما كلت أيدينا كان الماء قد تناقص بصورة ارتحنا لها وبردت أعصابنا.
ولكن ماذا بعد ذلك؟ هل ستظل لندا ميممة شطر الشمال حتى نصطدم بصخرة من مئات الصخور البارزة هنا وهناك شمال منطقة دهميت؟ وتساءلنا: لماذا لا تكون مثل هذه القوارب مجهزة بمجداف أو اثنين يمكن استخدامها في مثل هذه المواقف الطارئة؟ قطعة طويلة من الخشب العريض كان يمكن أن تفيد في توجيه القارب على الأقل، وبحثنا في القاع عن أي شيء يفيد دون جدوى، «ولقد ظلت هذه رغبة لم تتحقق، فقد سألنا في كل مكان رسونا فيه فيما بعد عن مجداف، لكن أحدا لم يكن عنده ما نريد!»
وكان موقفنا سيئا؛ فإنه قد وضح لنا أنه لا إنقاذ إلا إذا رآنا أحد القوارب الشراعية الكبيرة، وغامر بعبور النيل إلى حيث كنا في وسط المجرى تماما، ورمى إلينا بحبل وجرنا إلى أي شاطئ، ولقد أعاد إلي موقفنا في النيل صورة تجربة مماثلة مررت بها وزوجتي في إحدى بحيرات النمسا أثناء دراستنا هناك في أوائل الخمسينيات - أي منذ نحو عشر سنوات - وكان هناك مكان محبب إلينا هو منطقة «سالزكامرجوت»
Salzkammergut
المليئة بالبحيرات، ففي إحدى المرات كنا على ضفاف بحيرة «تراونزيه»
Traunsee ، شاطئها الشرقي جبلي تشرف عليه قمة «تراونشتاين»
Traunstein
استأجرت قارب تجديف - كعادتنا - للاستمتاع بالمناظر الطبيعية، ومياه البحيرة يسبح عليها الكثير من الإوز البري «التم»، وفي طريق عودتنا إلى الشاطئ اكفهر الجو فجأة بعد أن كان صافيا رائقا كالعادة في الصيف، وأسرعت بالتجديف قبل أن يحدث ما لا تحمد عقباه، ورأينا القوارب الشراعية تملأ أشرعتها الرياح، وقد بادرت كلها بالفرار إلى المرسى الآمن، وسرعان ما أقفرت البحيرة الواسعة من المراكب، وبدا لنا أن قاربنا ينجرف مع تيار كبير متجه للشمال، ولم نعرف ماذا نفعل، فالتجديف لم يعد يجدي، ويبدو أن الناس قد تجمعوا على الشاطئ يشيرون إلينا، ولكننا لا نراهم ولا نسمعهم، وفجأة خرج قارب شراعي من المرسى متجها نحونا، ويبدو أن قائده ملاح متمرس، وحين اقترب ألقى إلينا بحبل تشبثنا به وجرنا إلى المرسى، حيث شاهدنا الناس في لهفة لإنقاذنا، وحيوا الملاح الشهم بالتصفيق، وعرفنا منهم أن البحيرة الكبيرة تتعرض في بعض الأوقات لعواصف فجائية، وأنه كان من الممكن أن تقذفنا الرياح وقوة التيار إلى صخور الجبل على الشاطئ الشرقي، وبعدها لم أغامر مرة أخرى في البحيرات الجبلية.
تذكرت هذه التجربة وتمنيت لو أن قاربا شراعيا من القوارب الثلاثة التي بدت لنا على البر الغربي وقد امتلأت أشرعتها بالهواء؛ بادر بإنقاذنا، وصاح زميلنا العبادي ينادي ملاحي هذه المراكب، وعرفنا أنه يصيح: أنقذونا ... الحقونا ... حنغرقوا ... ولكن أحدا - فيما يبدو - لم يسمعنا.
Halaman tidak diketahui