Perjalanan Masa Nubia
رحلة في زمان النوبة: دراسة للنوبة القديمة ومؤشرات التنمية المستقبلية
Genre-genre
ثانيا:
كان ملاك الأراضي الزراعية في النوبة يشكلون 43٪ من مجموع الأسر، وبقية الأسر لا تملك أرضا، ومن هؤلاء الملاك 53٪ يمارسون الزراعة، وكان بين غير الملاك أسر تعمل بالزراعة غالبا عند الملاك الذين لا يمارسون النشاط الزراعي، أو هم ملاك غائبون، وأكثر الملاك المزارعون هم بين النوبيين، بينما أكثر الذين لا يمتلكون أرضا هم بين الكنوز، ومن ثم فإن النشاط الزراعي استمر كتقليد تاريخي في حدود المتاح من الأرض دون عناء استثمار في استصلاح جديد من الحقول، إلا في النذر اليسير، ومن ثم كانت الإضافات في صورة الأرض المستجدة صغيرة على مر جيل بأكمله.
والملكيات - أو حق الانتفاع - متوارث منذ أنشأ الجد الأكبر الساقية أو اختط الحقل، ويستمر اسم صاحب الساقية أو الحوض الأصلي برغم أن التوارث الشرعي قد فتت الملكيات إلى مساحات صغيرة قد تبلغ جدولا - نحو قيراطين - أو بضعة أسهم. وحيث إن ماء النهر وفيضانه هما أساس الزراعة، فإن الملكيات عادة تمتد من واجهة على النهر - أو خور يصله الفيضان - إلى الداخل المرتفع تدريجيا، وحين تقتسم الأرض بين الورثة تأخذ هذا الشكل الشريطي من النهر إلى الداخل، وقد تبلغ الأشرطة عرضا ضيقا يصعب معه تشغيلها، ومن ثم توكل إلى الجار أو الجيران لزراعتها مع أراضيهم، ثم يقتسم المحصول بحسبة معروفة لديهم، ومن لا يفعل ذلك تترك شريحته دون زراعة، وقد يكون لذلك مردود اجتماعي أيضا بمقتضاه قد يقلل الناس التعامل معه، وسبب هذه الشرائح العرضية أن الأرض بجوار النهر غيرها في الداخل، ومن ثم لا يجوز لأحد من الورثة الحصول على الأرض الجيدة وحده، ويجوز أن يمتلك الشخص عدة شرائح في عدة أحواض نتيجة لميراث الزوجة أو الخئولة، وهذه الحالة توضح صعوبة تشغيل الملكيات الزراعية؛ مما قد يساعد على إهمالها، وهو ما يفسر عدم زراعة كل الأراضي الصالحة للزراعة - فضلا عن إغراءات العمل الخارجي. وإذا كان هذا ينطبق على معظم النوبة، إلا أنه لا ينطبق بنفس القوة على جنوب النوبة؛ حيث تشترك عوامل متعددة هي خصوبة التربة وسهولتها، والتساند الاجتماعي مع نمط الملكية في تكوين نويات المجتمع المرتبطة بالعائلة، أو ما يسمى «نوج»، بينما تلعب العشيرة دورها في تكوين نويات المجتمع في بلاد الكنوز.
والخلاصة أنه برغم تقسيم الملكية أو حق الانتفاع بين الورثة الشرعيين، إلا أن النوبيين لا يقسمون الأرض فعلا برغم أنها مقسمة نظريا، والوارث الذي يزرع كل الأنصبة له نصف العائد أو أكثر قليلا، ويوزع الباقي على بقية المستفيدين؛ كل حسب نصيبه من الأرض. وكان لهذا الشكل من الاتفاق العام نتيجتان؛ الأولى: أنه يحفظ العلاقات بين الناس، ويحافظ على استمرارية الزراعة بشكل له عائده الحدي، والثانية: أنه إما أن يكون انعكاسا لاستمرارية هجرة العمل خارج النوبة، بحيث يأتي بمصادر خارجية تعين على استمرار الحياة للمقيمين من الأقارب، وإما أن استحالة ممارسة الزراعة لكل في أرضه الصغيرة قد أدت إلى نظام هجرة العمل، وفي الحالتين فإن التكافل الاقتصادي قد أصبح سدى التلاحم والتكافل الاجتماعي الذي ميز النوبيين طويلا.
أدوات الزراعة
لا توجد كثير من الأدوات التي تستعمل في الزراعة النوبية، وأكثرها تعقيدا هي أدوات الري، سواء كانت الساقية أو الشادوف.
والأغلب أن إقامة الساقية بالذات تقتضي تساند عدة أشخاص، ويصبح لهم حقوق انتفاع بمياه الساقية، ولا بد من حفر قناة تصب فيها مياه الساقية لتتوزع على الأرض التي تعتمد عليها، وتبنى السواقي على قواعد حجرية ليست لصق ضفة النيل، بل على مبعدة يسيرة، وتحفر لها بئر يصل منسوبها إلى المياه الجوفية، كما هو الحال في الشمال حيث موارد الحجارة قريبة، ومن ثم فإن الكثير من أبنية هذه السواقي القديمة ما زالت موجودة بصورة متهدمة تحت مياه الخزان، وهي تشكل بعض المخاطر للملاحة لمن لا يعرف المناطق التي كانت تكثر فيها السواقي قديما، وهناك إلى جانب القواعد أعمدة خشبية قوية غالبا من جذوع أشجار السنط وأفلاق النخيل، وكلتاهما متوفرة في معظم أرجاء النوبة، يقوم نجار السواقي بربطها رأسيا وأفقيا، ثم هناك الدواليب الأفقية والرأسية والتي تعلق فيها القواديس. هذه الأعمال كلها تحتاج إلى تشارك أقرباء أو غرباء يمتلك الواحد منهم حصة بقدر ما أسهم به من عمل وخامات.
ولا تقف مشكلة الساقية عند هذا الحد من التشييد وتوزيع الأنصبة، فإدارة الساقية تحتاج إلى أبقار ومراقب عمل، ولهذا فإن هناك أنصبة أخرى تنبني على إمداد الساقية بالأبقار اللازمة لإدارتها، وهكذا نجد تساندا كثيفا بين ملاك الأراضي والساقية والأبقار والأشخاص الذين يوكل إليهم أمر إدارة الساقية وتوفير الماء، وقد يكون هناك مستثمرون أو ملاك كبار، لكن نشاطهم قد يتعدى القيام بهذه الأعمال الزراعية إلى أعمال أخرى كالتجارة، ومن ثم فهم في حاجة إلى إسهام الكثيرين في صورة شراكة متشعبة تربط أعضاء العائلة أو عائلات المجتمع في المحلة الواحدة.
ويجدر بنا أن نذكر هنا أن سكان النوبة يطلقون اسم الساقية على كل الأرض التي تروى من الساقية الواحدة، سواء كانت مساحتها فدانا أو أكثر.
الشادوف ليس أداة صعبة في تشييدها، لكن الأغلب أن هناك مشاركة في إقامته بين المستفيدين من تشغيله. وحيث إنه يعتمد على الجهد البشري في إدارته، فإن الأرض المعتمدة على الشادوف هي بالضرورة أصغر كثيرا من أرض الساقية، والواقع أن استخدام الشادوف قاصر على الأرصفة الصغيرة من أجل ري الأشجار المثمرة أو الخضراوات الشتوية.
Halaman tidak diketahui