Perjalanan Dalam Pemikiran Zaki Najib Mahmoud
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Genre-genre
والطريف أنه يجعل من سقراط النموذج الأول «للمثقف الثوري»؛ لأنه لا يستريح ولا يطمئن، حتى يحمل الناس على قبول ما ارتسم في ذهنه من وجوب أن يكون زمام الأمور كلها لمبادئ العقل: فلا نزوة ولا رغبة ولا عاطفة أجدى على الإنسان من عقله.
54 «ومثلنا الثاني للمثقف الثوري هو أفلاطون: ارتسمت في ذهنه صورة عقلية للدولة المثلى كيف تكون، بحيث تجيء دولة قائمة على دعامة العدل»، وأخذ في محاورة «الجمهورية» يفصل القول في صورة هذه الدولة العادلة ... ولو اكتفى أفلاطون بهذه الصورة لعددناه «مثقفا»، يرى الفكرة ويحللها فيسترخي ويستريح، لكنه كان مثقفا ثوريا وهو يلتمس طريق التنفيذ لفكرته التي ارتآها عند تلميذه ديونيسيوس، الشاب الذي آل إليه الحكم في سراقوصة بجزيرة صقلية ...»
55
كذلك كان الغزالي في تاريخ الفكر الإسلامي هو خير الأمثلة التي تضرب للمفكر الثوري؛ لأنه غير بفكره حياته وحياة الناس من بعده لعدة قرون ... وفي حياتنا الفكرية الحديثة يقوم «جمال الدين الأفغاني» بدور سقراط: يجادل ويناقش ويخلق التلاميذ والأتباع، ويشعل الروح ويوقظ النفوس ... كذلك كان تلميذه «محمد عبده» يدرس ليصلح ويبني وينشئ ويعلم ويربي، ولم يكن «مثقفا» وكفى، بل كان «مثقفا ثوريا». وقل مثل هذا في قاسم أمين ولطفي السيد، الأول يكتب ليغير نصف الشعب «المرأة»، والثاني ليؤصل حياة سياسية على أصول ديمقراطية.
وهكذا يسير بك في تحليله العقلي لمفهوم ظهر في حياتنا الثقافية إلى آفاق لم تكن في الحسبان. بل لم يتصور من استخدموا هذا المفهوم أنه يمكن أن ينسل هذا النسل كله! (ب) إرادة التغيير
لم يكن زكي نجيب محمود في يوم من الأيام منتميا إلى حزب سياسي معين، ولكن كان يتخذ على حد تعبيره «موقفا سقراطيا»، هو أن يكون صاحب رأي مستقل، من حقه إبداء الرأي وتوجيه النقد لكثير من أوضاع مجتمعه، دون أن يلتزم بأفكار حزب معين أو بموقف «أيديولوجي خاص». ولقد أمده هذا «الموقف المستقل» بحرية الحركة، في نقد وتحليل أي مفهوم يظهر على مسرح حياتنا الثقافية أو السياسية، دون أن يجد في هذا التحليل حرجا ولا غضاضة؛ ولهذا تراه قابعا مع قلمه ممسكا بمبضع التحليل يتلقف كل ما يظهر من أفكار ومفاهيم ليبدأ عمله! لا يهمه بعد ذلك المصدر الذي أطلق الفكرة - رئيس الجمهورية أو جمهور الناس في الشارع - فبعد حرب السويس تحدث الرئيس جمال عبد الناصر في إحدى خطبه داعيا إلى «إرادة التغيير» التي نحن أحوج ما نكون إليها، ويتلقفها مفكرنا الكبير ويضعها تحت عدسته المكبرة، فإذا بهذا التعبير يتحول إلى تحصيل حاصل! فهما مترادفان! «إرادة التغيير» كلمتان صيغتا على صورة المضاف والمضاف إليه كما نقول: قراءة الكتب أو «رؤية الشمس» ... وهما معا تكونان أحد المبادئ التي نستهدفها في بناء حياتنا الجديدة، وهما من ذلك الضرب من المفاهيم التي يكون الناس منها على درجة وسطى بين «الجهل والعلم»، ومن ذا لا يستخدم كلمة «إرادة» وكلمة «تغيير» في حديثه الجاري، وهو على بعض العلم بما تعني هذه الكلمة أو تلك؟!
56
وينتهي من تحليله إلى أنه لا انفصال بين الإرادة والعمل، حتى ليصبح من اللغو أن نقول عن إنسان أن له «إرادة»، لكنها لا تجد العمل الذي تؤديه ، وإلا كنت كمن يقول إنه يأكل ولا طعام أو يشرب ولا ماء!
الإرادة هي نفسها العمل الذي يحقق الهدف، ويزيل ما قد يحول دون تحقيقه، شريطة أن يكون الهدف هو هدفك أنت، وإلا كنت آلة مسخرة في يد صاحب الهدف. إنك في الفعل الإرادي أنت الآمر والمأمور، إنك أنت تعمل العمل الذي تسعى به إلى تحقيق أهدافك، فأنت عندئذ بجميع سلوكك تجسيد للإرادة وتنفيذها.
57
Halaman tidak diketahui