Perjalanan Dalam Pemikiran Zaki Najib Mahmoud
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Genre-genre
الفصل الثاني
الفلسفة الثنائية
(1) ثنائيات كثيرة وجذورها واحدة
للثنائية الفلسفية صور شتى: منها النظرة الثنائية إلى العالم التي تستهدف تفسيره بمنظورين مختلفين: وتلك هي الثنائية الإبستمولوجية، ومنها القول بوجود جوهرين متمايزين في عالم الواقع، وتلك هي الثنائية الميتافيزيقية: ثنائية الله والعالم، المادة والروح، وما يتفرع عنها من ثنائية بين الجسم والذهن ... إلخ. كما أننا نستطيع كذلك أن نقول إن هناك ثنائية ثقافية أو حضارية تتمثل في القول بوجود ثقافتين مختلفتين، لكل منهما خصائص معينة تتميز بها عن الثقافة الأخرى.
غير أن هذه الصور المختلفة من «الثنائية» ليست منفصلة أو متباعدة على نحو ما تبدو لأول وهلة؛ إذ إننا مثلا نستطيع أن نستخلص من النظرة الثنائية إلى الكون، وهي الثنائية الميتافيزيقية أو الأنطولوجية نظرية خاصة في تحليل المعرفة.
1
كما أننا قد نجد أن خصائص الثنائية الثقافية مرتبطة في كل حضارة بنظرة خاصة إلى الواقع وبتحليل معين للمعرفة.
2
وفي استطاعتنا أن نقول إن زكي نجيب محمود المفكر والأديب يجسد في شخصه، وفي إنتاجه الفكري، هذه الثنائيات جميعا التي تعبر أدق تعبير عن مشكلاتنا الفكرية والثقافية منذ بداية عصر النهضة العربية في القرن الماضي، كما سبق أن ذكرنا وحتى يومنا الراهن. ولم تكن الفلسفة العربية التي اقترحها في «تجديد الفكر العربي» بما فيها من ثنائيات بين السماء والأرض، أو بين الله والإنسان، أو بين العقل والوجدان ... إلخ إلخ، إلا تلخيصا للثنائية التي يعيشها مجتمعنا العربي، وخبرها مفكرنا الكبير منذ بداية نضجه العقلي، ولعل المشكلات التي تثيرها هذه الثنائية وما تسببه من حيرة وقلق ، كانت من بين الدوافع التي دفعته إلى «الوضعية المنطقية»، فلم تكن اللحظة النادرة التي تحدث عنها في ربيع عام 1946م، أو أحس فيها بما يشبه اللمحة الذهنية، تتوقد لتضيء له الطريق، سوى عثور على حل لمشكلة الثنائيات التي وجدها في ثقافة مجتمعه، بل أحس بها في أعماقه؛ ومن ثم فليس غريبا أن يصف هذا الموقف الفلسفي الجديد الذي فرق له بين مجال الوجدان، ومجال العقل، بهذه العبارات ذات الدلالة الواضحة: «لقد أراد لي توفيق الله، منذ بدأت حياتي العقلية المنتجة، أن أقع على طريق من طرق التفكير الفلسفي، رأيته كأنما خلقت له وخلق لي، ثم رأيته وكأنه أنسب ما أقدمه في عالم الفكر لأمتي؛ لأنه إذا كان الغموض والخلط بين المعاني أحد الأمراض العقلية التي أصابت أمتي، فتلك الطريقة من طرق التفكير هي من أنجح وسائل العلاج، وأما تلك الطريقة فهي أننا إذا كنا في مجال العلم: فلا بد أن يجيء القول الذي نقوله مما يطابق الواقع عند التطبيق. أما مجالات القول الأخرى فلكل مجال منها معياره الخاص ...»
3
Halaman tidak diketahui