Perjalanan Dalam Pemikiran Zaki Najib Mahmoud
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Genre-genre
ويضيف مفكرنا إلى هذه الثنائية التي تتميز بها الفلسفة العربية خاصية أخرى، يجعلها تقوم بدور الحلقة الرابطة بيننا وبين الأسلاف في مجال الفكر والثقافة، بحيث تجيء هذه الصلة طبيعية لا متكلفة ولا مصطنعة، وهي خاصية «المحاكاة» بالمعنى الذي فهم به أرسطو الفن، عندما ذهب إلى أن الفن محاكاة للطبيعة، أو بالمعنى الذي وصف فيه «جون ديوي» (1859-1952م) عمله في تجديد الفلسفة، والمنطق بصفة خاصة، «بأنه يريد أن يصنع لهذا العصر، مثل ما صنع أرسطو لعصره ...»
89
ومن ثم فإن علينا أن نتعقب أسلافنا لنرى ماذا صنعوا تجاه دنياهم لنصنع نحن تجاه دنيانا، ويرى مفكرنا أن أهم ما كان يميزه العربي القديم في وقفته تجاه العالم من حوله هو أنه نظر إليه نظرة «عقلية»؛ ومن هنا فإذا أردنا مواصلة السير على هدي تراثنا لنربط الحاضر بالماضي، فإن علينا أن نلتزم بهذه الوظيفة العقلية التي اصطنعوها، وإن اختلفت مشكلاتنا عن مشكلاتهم، وهو يريد أن يفهم «العقل» هنا بأنه الانتقال من مقدمة إلى نتيجة تترتب عليها، ومن وسيلة إلى غاية، ومن شاهد إلى مشهود عليه ... إلخ فالعقل في مجال الاستنباط انتقال من عبارة لفظية إلى عبارة تلزم عنها، وهو في مجال التجربة انتقال من معلوم إلى مجهول، ومن شاهد إلى غائب، ومن ظاهر إلى خفي ... إلخ؛ ومن ثم كان العقل هو الذي يتعقب الحدث إلى أسبابه أو إلى نتائجه، وبهذا التعريف للعقل تستطيع أن نقول إن العربي القديم قد يتميز به كلما تأمل أو نظر، ومن شأن هذه الوقفة العقلية أن ترد الأشتات إلى وحدة تضمها ضمة المبدأ الواحد لنتائجه المتفرعة، أو العلة الواحدة لسلسلة معلولاتها، فقد رأى العالم مؤلف من كثرة من الكائنات؛ فالتمس لها الرباط الموحد، وقل ذلك في قواعد اللغة، وأحكام الشرع. وهكذا طفق العربي يرد الكثرة إلى وحدة تبرز ما فيها من تجانس.
90
ويعتقد مفكرنا أن أرسطو كان في تحليلاته المنطقية يتجه بحديثه إلى المفكر العربي من بعده، ليجعلها هذا المفكر من أهم علامات المثقف في عصره، وهنا يتساءل: «لماذا لم تستجب الهند مثلا، للمنطق الأرسطي استجابة العرب ...؟» ويجيب «جزء من الجواب عندي أن وقفة العربي من الأمور طابعها العقل ...»
91
وهو يعتقد أن الشعب الذي يتميز بالنظرة العقلية إذا ما رأيناه في بعض حالاته يلوذ بطراوة الوجدان ورخاوته، من ضغط العقل وقسوته، فإنما نرجح عندئذ أن قد أصابه شيء من الوهن أو الضعف.
غير أن الاعتراض الرئيسي على الزعم بأن الروح العربي الأصيل روح «عاقل» هو: كيف يتفق هذا الزعم مع سيادة الشعر في الثقافة العربية القديمة، والشعر وجدان أساسا ...؟ ألم يكن للشعر مكانة عليا في الثقافة العربية؟ فكيف نوفق بين صفة الشعر الغالبة، وبين الزعم بأن العرب قد تميزوا بنظرة عقلية.
92
وإجابة مفكرنا على هذا الاعتراض تنبع من خبرته الشخصية؛ فهو هنا كأنما يتحدث عن نفسه، يقول ليس بين الأمرين تناقض يحول دون أن يجتمعا معا «فكم وقع لنا في خبرتنا الشخصية المحدودة من أمثلة لرجال جمعوا بين العقل العلمي، إذا ما كان المجال مجال عقل وعلم، ووجدان الأديب كلما استثارت وجدانهم أحداث الحياة! وإذا صدق هذا على أفراد من الناس، فماذا تكون الأمم إلا مجموعات من أفراد؟ وهو أصدق في الأمة العربية منه في أي أمة أخرى مما نعرف ...»
Halaman tidak diketahui