Perjalanan Dalam Pemikiran Zaki Najib Mahmoud
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Genre-genre
ظلت هذه المشاعر الدينية المبكرة تنمو في أعماقه حتى مالت به إلى التصوف، والبعد عن دنيا الناس ليحيا في «عالم الأفكار»، وكانت تلك الخاصية من أخص خصائص شخصيته، حتى قال عنها إنها «جانب لا يجوز إغفاله إذا أردنا للصورة أن تكتمل ...»
10
ولقد صور العزلة، بعد ذلك، تصويرا رائعا في مقاله «يونس في جوف الحوت»؛
11
لأنها في رأيه عزلة عجيبة، فمن اليسير على الخيال أن يتصور الراهب، وقد اعتزل الدنيا في صومعته يحفرها في صخر الجبل النائي، أو يقيمها بين كثبان القفر البعيد، ويسير على الخيال أن يتصور رجل العلم وقد ألهاه علمه عن شئون دنياه، ويسير على الخيال أن يتصور الشاعر أو الفنان وقد ارتضى لنفسه مقاما على ربوة معزولة أو في جوف واد عميق، أما هذه الصومعة الفريدة التي آوى إليها يونس فأمرها عجيب ... إلخ.
12
غير أن المشاعر الدينية لم تنحصر في العزلة عن دنيا الناس أو الحياة في عالم الأفكار، وإنما تجاوزت ذلك إلى ميل عارم نحو التصوف، حتى إنه يصف نفسه في الثلاثينيات بأنه كان «صوفيا على الطريقة الهندية ...»
13
فما الذي كان يقصده بهذه «الصوفية الهندية» ...؟! يبدو أنه يعني بها ضربا من التصوف يكاد يقترب من «وحدة الوجود»، وهو يضرب لذلك مثلا واضحا، فذات يوم من ربيع عام 1931م (أي في السادسة والعشرين من عمره)، كان يسير وحده بين الحقول في الريف، ووقف طويلا أمام ماشية ألقيت أمامها أعواد الذرة لتطعم، فدارت في ذهنه صور متلاحقة: نبات يتغذى من عناصر الأرض، وحيوان يتغذى من النبات، وإنسان يتغذى من لحم الحيوان، تغذية تسري في دمائه وفي أعصابه، فإذا هو يخرج غذاءه ذاك علما وفلسفة وشعرا ... ملأته هذه الفكرة فكر راجعا إلى داره ليكتب مقالا مستفيضا بعنوان «وحدة الوجود»، ويرسله فينشر في مجلة كان يصدرها سلامة موسى باسم «المجلة الجديدة».
14
Halaman tidak diketahui