٩ - فصل في فضل من صبر على حرها ولأوائها
عن الحسن البصري، عن النبي ﷺ: أنه قال: "من صبر على حَرِّ مكةَ، ولو ساعةً من نهار، تباعدَتْ منه النارُ مسيرةَ عام"، وفي لفظ: "خمس مئة عام"، وقال ﷺ: "من استطاع منكم أن يموتَ في أحد الحرمين، فليمت فيه؛ فإني أول من أشفع له".
وكتب الحسن البصري إلى بعض إخوانه: يا أخي! أبقاك الله تعالى: إنه بلغني أنك قد أجمعت رأيك على الخروج من حرم مكة، وإني والله! كرهتُ ذلك وغَمَّني، واستوحشتُ من ذلك وحشة شديدة، إذ أراد الشيطان أن يزعجك من حرم الله، ويستنزلك، فيا عجبًا من عقلك إذ نويت من نفسك هذا بعد أن جعلك الله من أهله، ولو أنك حمدت الله على ما أولاك وأعلاك في حرمه وأمنه، وصيّرك من أهله، لكان الواجب عليك شكره أبدًا ما دمت حيًا، ولكُنْتَ مشغولًا بعبادته أضعافَ ما كنت عليه أن جعلك من جيران بيته، فإياكَ والظعنَ منها شبرًا واحدًا؛ فإنه ورد: أن المقام بمكة سعادة، والخروج منها شقاوة، وإياكَ والقلقَ والضجرَ، وعليك بالصبر والصمت والحلم؛ فإنك في خير أرض الله وأفضلها وأعظمِها قدرًا وأشرفِها عنده، ولله في جيران بيته أسرارٌ لمن تعرَّضَ لها في شطر الليل، انتهى. قلت: ويغني عن ذلك ما رواه الترمذي عن ابن عباس مرفوعًا، وصححه: "لولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنتُ غيرَك"، وفي طريق أخرى: "لولا أني أُخرجت منك، ما خرجتُ" رواه أهل السنن، وصححه الترمذي.
* * *
1 / 31