140

Rihla

رحلة ابن جبير - الجزء1

Penerbit

دار بيروت للطباعة والنشر

Nombor Edisi

الأولى

Lokasi Penerbit

بيروت

شهر ذي الحجة عرفنا الله بركته
استهل هلاله ليلة الخميس بموافقة الخامس عشر من مارس١ وكان للناس في ارتقابه أمر عجيب وشأن من البهتان غريب ونطق من الزور كاد يعارضه من الجماد فضلا عن غيره رد وتكذيب وذلك أنهم ارتقبوه ليلة الخميس الموفى ثلاثين والافق قد تكاثف نوؤه وتراكم غيمه إلى أن علته مع المغيب بعض حمرة من الشفق فطمع الناس في فرجة من الغيم لعل الأبصار تلتقطه فيها فبينما هم كذلك اذ كبر أحد هم فكبر الجم الغفير لتكبيره ومثلوا قياما ينتظرون مالا يبصرون ويشيرون إلى ما يتخيلون حرصا منهم على أن يكون الوقفة بعرفات يوم الجمعة كان الحج لا يرتبط إلا بهذا اليوم بعينه فاخلتقوا شهادات زورية ومشت منهم طائفة من المغاربة اصلح الله أحوالهم ومن أهل مصر أربابها فشهدوا عند القاضي برؤيته فردهم أقبح رد وجرح شهاداتهم أسوأ تجريح وفضحهم في تزييف أقوالهم أخزى فضيحة وقال يا للعجب لو أن أحد هم يشهد برؤنته الشمس تحت ذلك الغيم الكثيف النسج لما قبلته فكيف برؤية هلال هو ابن تسع وعشرين ليلة!
وكان أيضا مما حكى من قوله: تشوشت المغارب تعرضت شعرة من الحاجب فأبصروا خيالا ظنوه هلالا
وكان لهذا القاضي جمال الدين في أمر هذه الشهادة الزورية مقام من التوقف والتحري حمده له أهل التحصيل وشكره عليه ذوو العقول وحق لهم ذلك فإنها مناسك الحج للمسلمين عظيمة أتوا لها من
كل فج عميق فلو تسومح فيها بطل السعي وقال الرأي والله يرفع الالتباس والبأس بمنه.
فلما كانت ليلة الجمعة المذكورة ظهر الهلال أثناء فرج السحاب وقد اكتسى

١ مارس: آذار.

1 / 146