[مقدمة]
بِسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحيم لقد حظيت حروب الردّة وما فيها من أخبار وأشعار باهتمام المؤلفين العرب فقد ألّفت منذ زمن مبكر عدة كتب أفردت لحروب الردّة غير الأخبار التي تضمنتها كتب التاريخ والأدب، فقد وقفنا على ثمانية كتب كلها تحمل اسم الردّة هي:
لمحمد بن إسحاق (ت ١٥٠ هـ-)، وسيف بن عمر (ت ١٩٣ هـ-)، والواقدي (ت ٢٠٧ هـ-)، ووثيمة بن موسى الوشاء (ت ٢٣٧ هـ-)، وأبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي (ت ١٥٧ هـ-)، وإسحاق بن بشر الهاشمي (ت ٢٠٦ هـ-)، وعلي بن محمد المدائني (ت ٢٣٤ هـ-)، وإسماعيل بن عيسى العطار. ولم يصل من هذه الكتب إلا كتاب الواقدي هذا، في نسخته الوحيدة النادرة التي عثرت عليها أثناء تسفاري في بلاد الهند في مكتبة خدابخش في يانكي بور مقاطعة باتنا وتقع المخطوطة في ست وأربعين لوحة بخط نسخي مقروء، وفيها شعر كثير يجاوز التسعمائة بيت، أكثره من الشعر النادر الذي لم تحفظه الكتب والدواوين، وقد ضاع مثله في غمرة الحروب، وهو شعر يمثل الفروسية والبطولة العربية، لأنه قيل أثناء التهيؤ للقتال أو الدعوة للنزال أو وصف الأحداث، وغالبية هذا الشعر لشعراء مغمورين لم يعرفوا بقول الشعر ولم يشتهروا به، وقد أنطقتهم الحروب وأحداث الردّة، وهم جنود مقاتلون لا يعنون بتجويد الشعر وصناعته، وإنما تجيش صدورهم بأبيات يحمسون بها أنفسهم ومن معهم، ويفخرون بحسن بلائهم وبلاء قومهم، ولذلك جاءت أشعارهم مقطعات يغلب عليها الارتجال وتقتصر موضوعاتها على الحرب وما تقتضيها من استعداد لها واستبسال في سبيلها وتحريض المقاتلين
1 / 5
ودعوة للنزال ومديح للأبطال وافتخار بالنصر وتعيير بالهزيمة وهجاء الخصوم.
وقد أحصينا في الكتاب أربعة وثلاثين ومائة قطعة وقصيدة، موزعة على تسع عشرة قصيدة وخمس عشرة ومائة قطعة وتسع عشرة أرجوزة كلها من مشطور الرجز، وبلغ مجموع الأبيات ثلاثة وتسعمائة بيت، وجاءت أوزان الشعر على الوجه الآتي: الطويل تسع وعشرون قطعة، الكامل أربع وعشرون، الرجز تسع عشرة، المتقارب سبع عشرة، الخفيف اثنتا عشرة، الرمل سبع، الوافر سبع، البسيط ست، السريع اثنتان، الهزج واحدة.
وقد توزع الشعر على ستة وستين شاعرا من الشعراء المعروفين، وستة وستين شاعرا من الشعراء المجهولين، وامرأتين. وجاء الشعر المنسوب لقائليه وتعداده اثنتا عشرة ومائة قطعة والشعر المجهول القائل اثنتان وعشرون قطعة، كأن يقال: قال رجل من المسلمين أو قال رجل من بني فلان، وهكذا.
ولا شك أن كثيرا من الشعر الذي قيل في الردّة قد ضاع، وما حفظته الذاكرة والكتب هو القليل، وهذا أمر بديهي بسبب طبيعة الأحداث وإن أكثر هذا الشعر قيل من قبل المرتدين الذين يقاتلون المسلمين ويجاهرون بالخروج على السلطة الإسلامية هذا من جانب ومن جانب آخر فإن أغلب هذا الشعر سهل فيه خلل واضطراب لأنه شعر مرتجل خال من الصنعة والتأنق الغريب، فلم يحفل به الرواة الذين يعنون بالشاهد اللغوي وجودة الصياغة، وقد كان المؤرخون كذلك يتجاوزون كثيرا من هذا الشعر، ويقتصرون على ذكر شواهد في ذكر الحادثة والخبر، فإذا كان وقت المبارزة وخرج فارس يدعو للنزال وينشد شعرا ذكره المؤرخ وذكر ما ينشده الفارس الآخر، فإذا كثر المتنازلون وكثرت أشعارهم يكتفي المؤرخ ببعض هذا الشعر ويغفل ما سواه، وهذا ما فعله الواقدي وأشار إليه من ذلك ما جاء في الورقة ٣٩ أ، قوله: (فَلَمَّا أَصْبَحَ الأَشْعَثُ أَمَرَ بِبَابِ الْحِصْنِ فَفَتَحَ وَخَرَجَ فِي أَوَائِلِ الْقَوْمِ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ: يا قوم إن الصبر بالإخلاص ...، ثم خرج خلفه الخنفسيس بن عمرو ... وأنشد أبياتا اختصرنا عن ذكرها، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَعْدِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ محرز الحطمي ... وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا تَرَكْنَا ذِكْرَهَا، ثُمَّ خَرَجَ
1 / 6
مِنْ بَعْدِهِ مُسَيْلِمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْقُشَيْرِيُّ وَأَنْشَدَ أَبْيَاتًا تَرَكْنَا ذِكْرَهَا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَعْدِهِ سعد بن معد يكرب وأنشد أبياتا تركنا ذكرها)، وهكذا يخرج كثير من الفرسان فيقولون شعرا لم يذكره الواقدي اختصارا ببعض الذي أنشد، فكم ضاع من هذا الشعر الذي أغفله المؤرخون ورواة الشعر وتجاهله المسلمون لأن بعضه مما يناهض الإسلام أو يهجو المسلمين وقد تبرأ منه المرتدون بعد أن عادوا إلى حضيرة الإسلام وانطلقوا نحو الفتوح يجالدون الفرس والروم.
وقد كانت عناية المؤلف الواقدي في هذا الكتاب كدأبه في كتابه المغازي معنيا بذكر تفاصيل الأحداث حريصا على تدوين الرسائل والكتب والخطب وذكر المحاورات والمناوشات، لم يهمل الجزئيات والتفاصيل سجل كل ما يمكن تسجيله في هذه الحروب مع تفسير شاف لأسباب الوقائع والأحداث، ولذلك فقد تفرّد الكتاب بمعلومات وروايات وأشعار لم تذكرها كتب التاريخ والأدب قبله، وقد اقتبس بعض المؤرخين من هذا الكتاب وذكروا بعض نصوصه مختصرة من مثل ابن سعد في الطبقات، والطبري في تاريخه، وعبد الرحمن بن حبيش في كتابه المغازي، وابن حجر في الإصابة، وغيرهم.
وقد وجدت في تحقيق هذا الكتاب وخدمته إحياء لتراثنا التاريخي والأدبي في عصر الخلافة الراشدة، وإشادة بالبطولة العربية الإسلامية ومثلها العليا التي وحّدت الجزيرة العربية وحملت راية الإسلام خفّاقة منتصرة تنشر التوحيد والحرية والسلام في الخافقين، أسأل الله سبحانه السداد والرشاد في القول والعمل، فمنه الهداية وبه التوفيق والحمد للَّه أولا وآخرا.
بغداد يحيى وهيب الجبوري ٥ رجب ١٤١٠ هـ- ٣١ كانون الثاني (يناير) ١٩٩٠ م
1 / 7
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الواقدي المدني، مولى بني سهم إحدى بطون بني أسلم، وهذا إجماع من ترجم له [١]، إلا ابن خلكان [٢] فقد جعله مولى بني هاشم.
كانت ولادته بالمدينة سنة ١٣٠ هـ في آخر خلافة مروان بن محمد كما يذكر محمد بن سعد كاتبه وتلميذه [٣]، وقيل: إنه ولد سنة ١٢٩ هـ- على ما يرجح الصفدي وابن تغريبردي [٤] .
ويذكر أبو الفرج الأصفهاني أن أمه هي بنت عيسى بن جعفر بن سائب خاثر التي كان والدها فارسيًا [٥] .
ليس هناك معلومات متيسرة عن نشأته، ولكن المصادر تتحدث عن اهتمام الواقدي المبكر بالمغازي وجمع الأخبار والتعرف على التفاصيل، نقل عن الواقدي قوله: (ما أدركت رجلا من أبناء الصحابة وأبناء الشهداء ولا مولى لهم إلا سألته: هل سمعت أحدا من أهلك يخبرك عن مشهده وأين قتل، فإذا أعلمني
_________
[١] أنظر الطبقات ٥/ ٣١٤، عيون الأثر ١/ ١٧، الفهرست ص ١١١، تاريخ دمشق ١١/ ورقة ٣، تذكرة الحفاظ ١/ ٣٤٨، سير أعلام النبلاء ٧/ ورقة ١١٧، لسان الميزان ٦/ ١٥٢، شذرات الذهب ٢/ ١٨، الوافي بالوفيات ٤/ ٢٣٨، الجرح والتعديل ٤/ ٢٠، الديباج المذهب ص ٢٣٠، تهذيب التهذيب ٩/ ٣٦٣.
[٢] وفيات الأعيان ٤/ ٣٤٨.
[٣] الطبقات ٧/ ٧٧.
[٤] الوافي بالوفيات ٤/ ٢٣٨، النجوم الزاهرة ٢/ ١٨٤.
[٥] الأغاني ٨/ ٢٣٣.
1 / 9
مضيت إلى الموضع فأعاينه، ولقد مضيت إلى المريسع فنظرت إليها، وما علمت غزاة إلا مضيت إلى الموضع حتى أعاينه) [١] . وعن هارون الفروي قال: (رأيت الواقدي بمكة ومعه ركوة [٢]، فقلت: أين تريد، قال: أريد أن أمضي إلى حنين حتى أرى الموضع والوقعة) [٣] .
وقد عرف عن الواقدي هذا الاهتمام بمعرفة الأخبار ومعاينة المشاهد ومعرفة التفصيلات، من ذلك ما ذكر ابن سعد من أن الخليفة هارون الرشيد ويحيى بن خالد البرمكي حين زارا المدينة في حجتهما، طلبا من يدلهما على قبور الشهداء والمشاهد، فذكر لهما الواقدي الذي صحبهما في زيارتهما، ولم يدع موضعا من المواضع ولا مشهدا من المشاهد إلا مر بهما عليه [٤]، وعلى إثر هذا اللقاء توثقت العلاقة بين الواقدي والخليفة الذي وهبه عشرة آلاف درهم، يسّرت حاله وفكّت ضائقته، وقد توثقت صلته كذلك بيحيى البرمكي الذي أغدق عليه الأموال.
وكان الواقدي جوّادا سخيا متلافا، حصل على أموال كثيرة ولكنه كان ينفقها، ويعود في ضائقة مالية جديدة، ويرزح تحت ثقل الديون، وهذا ما جعله يرحل من المدينة إلى العراق قاصدا يحيى البرمكي، ففي سنة ١٨٠ هـ غادر الواقدي المدينة قاصدا العراق [٥]، ويبين الخطيب البغدادي سبب هذه الرحلة، فينقل عن الواقدي قوله: (كنت حنّاطا «بائع حنطة» بالمدينة في يدي مائة ألف درهم للناس أضارب بها، فتلفت الدراهم، فشخصت إلى العراق فقصدت يحيى بن خالد) [٦]، ويروي ابن سعد أن سبب هذه الرحلة هو الدين الذي ركبه
_________
[١] تاريخ دمشق ١١/ ٥، تاريخ بغداد ٣/ ٦، عيون الأثر ١/ ١٨، كتاب المغازي- الواقدي المقدمة ص ٦.
[٢] إناء للماء من جلد.
[٣] المصادر السابقة.
[٤] الطبقات ٥/ ٣١٥ ط ليدن، ومقدمة كتاب المغازي ص ٦) .
[٥] الطبقات ٧/ ٧٧.
[٦] تاريخ بغداد ٣/ ٤.
1 / 10
وضيق ذات اليد، فيقول على لسان الواقدي: (ثم إن الدهر أعضّنا، فقالت لي أم عبد الله: يا أبا عبد الله ما قعودك، وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك وسألك أن تسير إليه حيث استقرت به الدار، فرحلت من المدينة) [١]، وحين وصل إلى بغداد وجد أن الخليفة والحاشية قد ذهبوا إلى الرقة بالشام، فتوجه نحو الشام ولحق بهم هناك، وحين لقي يحيى البرمكي أكرمه وأغدق عليه عطاياه، كما أغدق الرشيد عليه عطاياه أيضا، وعن ذلك يقول الواقدي: (صار إليّ من السلطان ستمائة ألف درهم، ما وجبت علي فيها الزكاة [٢]، ثم يعود إلى بغداد وكانت مكانة الواقدي لدى الخليفة هارون الرشيد طيبة عالية مرموقة، لذلك فقد ولّاه القضاء بشرقي بغداد كما يذكر ياقوت الحموي [٣] .
وفي عهد المأمون ترتفع مكانة الواقدي، فحين يعود المأمون من خراسان يعينه قاضيا لعسكر المهدي في الجانب الشرقي من بغداد [٤]، ونقل ابن خلكان عن ابن قتيبة أن الواقدي كان قاضيا في الجانب الغربي، ثم صححه اعتمادا على قول السمعاني أنه قاض بالجانب الشرقي [٥] .
وقد لقي الواقدي من المأمون الرعاية والإكرام، كتب الواقدي إليه مرة يشكو من ضائقة لحقته وركبه دين بسببها وعين مقداره في قصة، فوقع المأمون في كتابه بخطه: (فيك خلتان سخاء وحياء، فالسخاء أطلق يديك بتبذير مالك، والحياء حملك أن ذكرت لنا بعض دينك، وقد أمرنا لك بضعف ما سألت، وإن كنا قصرنا عن بلوغ حاجتك فبجنايتك على نفسك، وإن كنا بلغنا بغيتك فزد في بسطة يدك، فإن خزائن الله مفتوحة ويده بالخير مبسوطة، وأنت حدثتني حين كنت على قضاء الرشيد أن النبي ﵌ قال للزبير: «يا زبير إن مفاتيح الرزق بإزاء العرش، ينزل الله سبحانه للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم، فمن كثَّر كثَّر له،
_________
[١] الطبقات ٥/ ٣١٥.
[٢] تاريخ بغداد ٣/ ٢٠.
[٣] معجم الأدباء ١٨/ ٢٧٩.
[٤] الطبقات ٧/ ٧٧.
[٥] وفيات الأعيان ٤/ ٣٥٠.
1 / 11
ومن قلّل قلّل عليه» . قال الواقدي: وكنت نسيت الحديث، فكانت مذاكرته إياي أعجب إليّ من صلته) [١] .
وتبقى صلة الواقدي بالمأمون متينة مكينة، وعلى الرغم من علم المأمون بصلة الواقدي بيحيى البرمكي، فإن هذه الصلة لم تمنع المأمون من إكرام الواقدي وتوليته القضاء بعد نكبة البرامكة [٢]، فقد مكث الواقدي قاضيا على عسكر المهدي مدة أربع سنوات قبل وفاته [٣]، ويصفه ابن حجر بأنه أحد الأعلام وقاضي العراق وبغداد [٤] .
وقد نال الواقدي من السلطان والمال الشيء الكثير، أغدق عليه الرشيد ويحيى البرمكي والمأمون، ومع كل ذلك فقد كان الواقدي سخيا متلافا، مات وعليه ديون، ولم يملك ما يكفن به، فقد أرسل المأمون بأكفانه [٥]، وكان الواقدي قد أوصى إلى المأمون أن يقضي دينه، فقبل المأمون وصيته وقضى دينه [٦] .
وتجمع أغلب المصادر على أن وفاة الواقدي كانت سنة سبع ومائتين، ويحدد ابن سعد ليلة الوفاة ويوم الدفن بقوله: (مات ببغداد ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة سبع ومائتين، ودفن يوم الثلاثاء في مقابر الخيزران وهو ابن ثمان وسبعين سنة) [٧]، وهناك روايات مرجوحة تذكر أنه توفي سنة ٢٠٦ أو ٢٠٩ [٨]، والرواية الأولى هي الأصح لأنها جاءت عن تلميذه وكاتبه ابن سعد محددة بالشهر واليوم [٩] .
_________
[١] وفيات الأعيان ٤/ ٣٤٩.
[٢] شذرات الذهب ٢/ ١٨.
[٣] الوافي بالوفيات ٤/ ٢٣٨.
[٤] لسان الميزان ٦/ ٨٥٢.
[٥] تاريخ دمشق ١١/ ورقة ٣، تاريخ بغداد ٣/ ٢٠.
[٦] الطبقات ٥/ ٣٢١.
[٧] الطبقات ٧/ ٧٧، وانظر وفيات الأعيان ٤/ ٣٥٠.
[٨] انظر الروايات في وفيات الأعيان ٤/ ٣٥٠، ورجح سنة ٢٠٧، وانظر تاريخ بغداد ٣/ ٢٠.
[٩] الطبقات ٧/ ٧٧.
1 / 12
كتبه
كان الواقدي غزير العلم كثير التأليف، كثير الجمع والحفظ، يذكر ابن النديم قول ابن إسحاق: (قرأت بخط عتيق قال: خلّف الواقدي بعد وفاته ستمائة قمطر كتبا، كل قمطر منها حمل رجلين، وكان له غلامان مملوكان يكتبان له الليل والنهار، وقبل ذلك بيع له كتب بألفي دينار) [١]، وكانت كتبه من الكثرة بحيث أنه لما انتقل من الجانب الغربي حملت كتبه على عشرين ومائة وقر [٢]، وكانت عناية الواقدي بالعلوم الإسلامية عامة والتاريخ خاصة، يقول إبراهيم الحربي إن الواقدي (كان أعلم الناس بأمر الإسلام، فأما في الجاهلية فلم يعلم فيها شيئا) [٣] ويصفه ابن سعد كاتبه وتلميذه: (كان عالما بالمغازي والسيرة والفتوح واختلاف الناس وأحاديثهم، وقد فسّر ذلك في كتب استخرجها ووضعها وحدّث بها) [٤] .
ذكرت كتب الواقدي في أكثر من مصدر، فقد ذكرها ياقوت [٥]، والصفدي [٦]، وإسماعيل باشا البغدادي [٧]، وسأذكر جريدة كتب الواقدي كما
_________
[١] الفهرست ص ١١١.
[٢] الوافي بالوفيات ٤/ ٢٣٨، تاريخ بغداد ٣/ ٥، عيون الأثر ١/ ١٨ سير أعلام النبلاء ٧/ ١١٨.
[٣] سير أعلام النبلاء ٧/ ورقة ١١٧ مخطوط.
[٤] الطبقات ٥/ ٣١٤ ط ليدن، ٧/ ٣٣٤- ٣٣٥ ط صادر.
[٥] معجم الأدباء ١٨/ ٢٨١.
[٦] الوافي بالوفيات ٤/ ٢٣٩.
[٧] هدية العارفين ٢/ ١٠.
1 / 13
جاءت في الفهرست لابن النديم وأقارنها بالمصادر الأخرى، قال ابن النديم: وله من الكتب المصنفة [١]:
١- كتاب التاريخ والمغازي والمبعث.
٢- كتاب أخبار مكة.
٣- كتاب الطبقات.
٤- كتاب فتوح الشام.
٥- كتاب فتوح العراق.
٦- كتاب الجمل (سمّاه ياقوت: كتاب يوم الجمل) .
٧- كتاب مقتل الحسين ﵇ .
٨- كتاب السيرة (لم يذكره الصفدي) .
٩- كتاب أزواج النبي ﵇.
١٠- كتاب الردّة والدار.
١١- كتاب حرب الأوس والخزرج (جاء لدى الصفدي باسم: حروب الأوس والخزرج) .
١٢- كتاب صفين (لم يذكره الصفدي) .
١٣- كتاب وفاة النبي ﵇.
١٤- كتاب أمر الحبشة والفيل.
١٥- كتاب المناكح.
١٦- كتاب السقيفة وبيعة أبي بكر.
١٧- كتاب ذكر الأذان [٢] .
١٨- كتاب سيرة أبي بكر ووفاته.
١٩- كتاب مداعي قريش والأنصار في القطاع (القطائع) [٣] ووضع عمر الدواوين
_________
[١] الفهرست ص ١١١.
[٢] في الطبعة التجارية: ذكر القرآن، وجاء كذلك لدى الصفدي: ذكر الأذان.
[٣] في نسخة: مراعي قريش والأنصار في القطائع. واكتفى ياقوت والصفدي بذكر اسم الكتاب وحذفا العبارة الأخيرة (وتصنيف القبائل ومراتبها وأنسابها) .
1 / 14
وتصنيف القبائل ومراتبها وأنسابها.
٢٠- كتاب الترغيب في علم المغازي وغلط الرجال [١] .
٢١- كتاب مولد الحسن والحسين ومقتل الحسين ﵇ [٢] .
٢٢- كتاب ضرب الدنانير والدراهم [٣] .
٢٣- كتاب تاريخ الفقهاء.
٢٤- كتاب الآداب.
٢٥- كتاب التاريخ الكبير.
٢٦- كتاب غلط الحديث.
٢٧- كتاب السنّة والجماعة وذم الهوى وترك الخروج [٤] في الفتن.
٢٨- كتاب الاختلاف (ويحتوي على اختلاف أهل المدينة والكوفة في الشفعة والصدقة والهبة والعمري والرقبى والوديعة والعارية والبضاعة والمضاربة والغصب والشركة (في نسخة: والسرقة) والحدود والشهادات، وعلى نسق كتب الفقه ما بقي) [٥] .
وجاءت هذه الجريدة نفسها في كشف الظنون مع خلاف بسيط في بعض الأسماء، وزاد عليها كتاب (تفسير القرآن) ولعله هو (ذكر القرآن) الذي ذكره ابن النديم.
_________
[١] في نسخة: (كتاب الترغيب في علم القرآن وغلط الرجال) وعند ياقوت: (كتاب الترغيب في علم القرآن) .
[٢] عند الصفدي: (كتاب مولد الحسن والحسين ومقتله)، أما ياقوت فقد جعل الكتاب كتابين: (مولد الحسن والحسين)، و(مقتل الحسين) .
[٣] عند الصفدي: (كتاب ضرب الدنانير) .
[٤] في نسخة: (وترك الخوارج في الفتن)، وعند ياقوت: (كتاب السنّة والجماعة وذم الهوى) .
[٥] جاءت العبارة الأخيرة مختصرة عند الصفدي: (كتاب اختلاف أهل المدينة والكوفة في أبواب الفقه) .
1 / 15
كتاب الردّة
أول ما يرد ذكر كتاب الردة عند ابن النديم (٤٣٨ هـ-) في كتابه الفهرست، وقد ذكره باسم: (كتاب الردّة والدار)، ولعلهما كتابان، الأول (كتاب الردّة)، والثاني (كتاب الدار) ومقتل الخليفة عثمان بن عفان، وحصل مزج بينهما، إذ ليس من المعقول أن يكونا كتابا واحدا، وبين الردّة (سنة ١٣ هـ-) ويوم الدار (سنة ٣٥ هـ-) اثنتان وعشرون سنة.
وقد وافق ابن النديم في هذه التسمية كلّ من ياقوت الحموي (٦٢٦ هـ-) [١] والصفدي (٧٦٤ هـ) [٢] فأسمياه: (كتاب الردّة والدار)، ولعلهما نقلا عن ابن النديم. أما المصادر الأخرى فتذكره ابسم (كتاب الردّة)، فابن خير الأشبيلي (٥٧٥ هـ-) يسميه كتاب الردّة [٣]، وكذلك ابن خلكان (٦٨١ هـ-) الذي يقول [٤]:
(وله كتاب الردّة ذكر فيه ارتداد العرب بعد وفاة النبي ﵌ ومحاربة الصحابة ﵃ لطليحة بن خويلد الأزدي والأسود العنسي ومسيلمة الكذاب، وما أقصر فيه) . أما اليافعي (٧٦٨ هـ-) [٥] فقد نقل عبارة ابن خلكان السابقة، وذكره حاجي خليفة (١٠٦٧ هـ) أيضا باسم: (كتاب الردّة) [٦] .
_________
[١] معجم الأدباء ١٨/ ٢٨١.
[٢] الوافي بالوفيات ٤/ ٢٣٩.
[٣] فهرست ما رواه عن شيوخه ص ٢٣٧.
[٤] وفيات الأعيان ٤/ ٣٤٨.
[٥] مرآة الجنان ٢/ ٣٦.
[٦] كشف الظنون ٢/ ١٤٢٠.
1 / 16
أما في العصر الحديث فأول من نبّه عليه هو بروكلمان (١٩٦١ م) [١] وذكر مكان المخطوطة في مكتبة بانكيبور بالهند ورقمها ١٥/ ١٠٤٢، ثم ذكرها سزكين في كتابه تاريخ التراث العربي [٢] . وقد اقتبس من كتاب الردّة مجموعة من المؤلفين رجعت إليهم وقابلت رواياتهم في تحقيق الشعر.
_________
[١] تاريخ الأدب العربي- الترجمة العربية ٣/ ١٧.
[٢] الترجمة العربية ١/ ١٠٢ (التدوين التاريخي) .
1 / 17
من ألّف في الردّة
عرفت مجموعة من الكتب تحمل اسم (كتاب الردّة)، ولم يصلنا منها إلا كتاب الردّة للواقدي هذا، وأهم هذه الكتب التي حفظت أسماءها والكتب هي:
١- كتاب الردّة- لمحمد بن إسحاق (١٥٠ هـ-)، جاء ذكره في الطبري والبلاذري والكلاعي، ونقلوا عنه بعض النصوص. [١] .
٢- كتاب الردّة والفتوح- لسيف بن عمر التميمي (١٩٣ هـ-)، ذكره ابن النديم باسم (كتاب الفتوح الكبير والردّة) [٢]، وذكره بروكلمان [٣]، كما ذكره سزكين [٤]، وقال عنه: ذكره ابن حجر كثيرا في الإصابة وأفاد منه، وهو أحد مصادر الطبري في تاريخه، وقد أخذ ابن حجر قسما من هذا الكتاب بطريق السماع أو القراءة، وكان يقدم لمقتبساته بعبارة: (حدثني السري، قال: حدثنا شعيب عن سيف) كما أخذ قسما آخر منه بطريق (الكتابة) أو (المكاتبة) مقدما لذلك بعبارة: (كتب إليّ السري عن شعيب عن سيف)، كما اقتبس منه ياقوت كذلك في معجم البلدان، وأفاد منه ابن عساكر كذلك.
٣- كتاب الردّة- للواقدي (٢٠٧ هـ-) وهو هذا الكتاب، ونقل عنه ابن سعد
_________
[١] انظر الاكتفاء في مغازي المصطفى- للكلاعي، مقدمة المحقق أحمد غنيم ص ٨، ٩ ط القاهرة ١٩٧٩.
[٢] الفهرست ١٠٦٩.
[٣] تاريخ الأدب العربي ٣/ ٣٦.
[٤] تاريخ التراث العربي ١/ ٢/ ١٣٤.
1 / 18
والطبري وابن حجر في الإصابة، واقتبس منه عبد الرحمن بن محمد بن حبيش (٥٨٤ هـ-) في كتابه (المغازي) [١] .
٤- كتاب الردّة- لوثيمة بن موسى بن الفرات الوشاء (٢٣٧ هـ-) [٢]، وقد جاءت منه نصوص كثيرة اقتبسها ابن حجر في الإصابة وهي عشر ومائة قطعة، وهذا ما حدا بالمستشرق الألماني ولهلم هونرباخ بجمع هذه النصوص في كتاب أسماه (قطع من كتاب الردّة) [٣] .
٥- كتاب الردّة- لأبي مخنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف الأزدي (١٥٧ هـ-)، انفرد بذكره ابن النديم [٤] .
٦- كتاب الردّة- لإسحاق بن بشر بن محمد الهاشمي بالولاء أبي حذيفة البخاري (٢٠٦ هـ-) ذكره ابن النديم [٥] وقال: له كتاب الردّة، ولم تذكره الكتب الأخرى.
٧- كتاب الردّة- للمدائني أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الله مولى سمرة بن جندب المتوفى سنة (٢٣٤ هـ- أو ٢٣٥ هـ-)، ذكره ابن النديم [٦] ولم تذكره الكتب الأخرى. مثل بروكلمان أو سزكين.
٨- كتاب الردّة- لإسماعيل بن عيسى العطار من أهل بغداد من أصحاب السير، ذكره ابن النديم [٧] ولم أقف على وفاته.
_________
[١] انظر تاريخ التراث العربي ١/ ٢/ ١٠٢.
[٢] انظر ترجمته في وفيات الأعيان ٦/ ٢٢٦- ٢٣١.
[٣] طبع مجمع العلماء والأدباء بمنيصة ١٩٥١، وانظر سزكين- تاريخ التراث العربي ١/ ٢/ ١٤٣.
[٤] الفهرست ص ١٠٥.
[٥] الفهرست ص ١٠٦ وانظر ترجمة المؤلف في الأعلام ١/ ٢٩٤.
[٦] الفهرست ص ١١٥.
[٧] الفهرست ص ١١٢.
1 / 19
المخطوطة
المخطوطة المعتمدة هي النسخة الوحيدة الموجودة في مكتبة خدابخش في بلدة يانكي بور في باتنا ورقمها ١٠٤٢، وتقع في ٤٦ ورقة، خطها نسخ واضح خال من الشكل قد يهمل الإعجام أحيانا، فيها أخطاء نحوية ولغوية وتحريف وتصحيف في أسماء بعض الأعلام والمواضع، وجاء الشعر في أكثره ضمن النثر لم يميز بكتابته شعرا في الصدر والعجز إلا قليلا.
كتبت العنوانات بالحبر الأحمر وكذلك اسم النبي محمد ﵌، عدد الأسطر في الصفحة ٢٣- ٢٥ سطرا، وفي السطر ١٢- ١٤ كلمة، تخلو من اسم الناسخ وكتبت سنة ١٢٧٨ هـ-.
أولها صفحة العنوان (كتاب الردّة للواقدي)، ثم الصفحة الأولى وبدايتها:
(بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، رَوَى أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصِ بْنِ مِهْرَانَ الْبَرْدَعِيُّ أَعَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ أَعْثَمَ الْكُوفِيُّ قراءة عليه ...) .
وتنتهي أخبار الردّة في الورقة ٤١ ب بقوله: (انْقَضَتْ أَخْبَارُ الرِّدَّةِ عَنْ آخِرِهَا بِحَمْدِ اللَّهِ ومنّه وَحُسْنِ تَيْسِيرِهِ وَعَوْنِهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ) .
ويتلو ذلك نبذة في فتوح العراق بعنوان جاء فيه: (نُبْذَةٌ فِي ذِكْرِ الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيِّ، وَهُوَ أَوَّلُ الْفُتُوحِ بَعْدَ قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وهو أيضا من رواية ابن أعثم الكوفي) . ويبدأ هذا الجزء بقوله: (قال: فلما فرغ أبو بكر ﵁
1 / 20
من حروب أهل الرِّدَّةِ عَزَمَ عَلَى مُحَارَبَةِ الأَعَاجِمِ مِنَ الْفُرْسِ والروم وأصناف الكفر) .
وبعد سبع صفحات ينتهي الكتاب بقوله:
(وَكَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ﵁ كلما افتتح موضعا في الْعِرَاقِ أَخْرَجَ مِنْ غَنَائِمِهِ الْخُمُسَ فَيُوَجِّهُ بِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁، وَيُقَسِّمُ بَاقِي الْمَغْنَمِ فِي أَصْحَابِهِ، قَالَ: إِلَى أَنْ تَحَرَّكَتِ الرُّومُ بِأَرْضِ الشَّامِ، فَنَرْجِعُ الآنَ إِلَى ذِكْرِ فُتُوحِ الشَّامِ بِعَوْنِ اللَّهِ وَكَرَمِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. تمت بعون الله وتوفيقه آخر العصر في يوم الأحد شهر ربيع الآخر الذي خلت منه أيام ٢٤ سنة ١٢٧٨ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام) .
وفي صفحة تالية مستقلة جاء عنوان الختام بخط كبير في الورقة ٤٦: (هذا مما كان من أخبار أهل الردّة من مسيلمة الكذاب وطليحة وكندة وبني بكر بن وائل وغيرهم من العرب) .
1 / 21
منهج التحقيق
حاولت أن أحرر نسخة مهذبة محققة من هذا الكتاب هي أقرب إلى ما وضعها مؤلفها، فقد صححت الوهم والغلط النحوي واللغوي الذي جاء في الأصل، وهذا الغلط مرجعه النسّاخ والنقلة الذين يكون فيهم الجاهل والغافل، وقد جاءت أوهام في النص من تحريف أسماء الأعلام والمواضع والمعاني، فصححت ذلك على ضوء كتب التراجم والبلدان والمعاجم اللغوية.
وقارنت الروايات والأخبار بما ورد منها في كتب التاريخ كتاريخ الطبري وابن الأثير وكتاب الفتوح لابن أعثم، وكذلك ما جاء منها في كتب الأدب، وبينت الفروق وصححت الوهم وشرحت الغامض، وقد جاءت الأخبار في هذا الكتاب وافية مفصلة بينما نجدها في كتب التاريخ مقتضبة مختصرة، وقد كان ابن أعثم خاصة ينقل عن هذا الكتاب ويختصر ويتجاوز ذكر الأشعار غير مطالع بعض القصائد والمقطعات.
وقد حفل الكتاب بالأحاديث النبوية والأمثال والخطب والرسائل، فخرّجت الأحاديث تخريجا وافيا بالرجوع إلى كتب الحديث الصحيحة المعتمدة، ووثقت الأمثال والخطب والرسائل بالرجوع إلى المصادر وقارنت بينها وخاصة حين يكون هناك خطأ أو لبس بالقدر الذي يوضح الرواية ويوثقها، ولم أثقل الهوامش بكثرة النقول، ولا شك أن عملا كهذا لا يمكن أن يكون كاملا، فقد تبقى بعض الأحاديث والخطب لا نجد لها مصدرا يوثقها أو قد يغيب عنا ذلك المصدر.
وفي الكتاب ذكر لأعلام كثيرين، وكثرتهم من الجنود المقاتلين سواء من المسلمين أو من القبائل المرتدة، فمنهم المعروف وأكثرهم مجهول، وقد ترجمت
1 / 22
للأعلام ورجعت في ذلك إلى كتب التراجم وعنيت خاصة بالأعلام الذين لهم أثر في الأحداث، والذين وقع في أسمائهم تحريف أو تصحيف أو وهم، ولم أعن بالأعلام الذين ترد أسماؤهم عرضا، وقد أترجم للعلم في الموضع الذي يكون له أثر في الخبر، ولا أكرر الترجمة عند تكرره في أخبار أخرى.
أما الشعر فقد جاء كثير منه مضطربا مختل الوزن فيه تقديم وتأخير وفيه أغلاط في اللغة والنحو، فحاولت تقويمه وضبطه وتخريجه ونسبته إلى قائليه بالقدر الذي أسعفتني المصادر ووفق ما هداني اجتهادي. وقد جاء بعض هذا الشعر غير منسوب أو مجهول القائل وقد تفرد هذا الكتاب بذكره دون غيره من المصادر، وهذا أمر بديهي لأنه شعر جنود مقاتلين تجيش عواطفهم بالشعر فيرتجلونه في الوقائع والحروب، ولهذا السبب جاء مضطربا وجاء سهلا لا تعقيد فيه ولا صناعة، ولم يعن به الرواة الذين غالبا ما يعنون بالشعر الذي يصلح شاهدا لعلوم العربية ويحفل بالغريب والنادر.
لقد شرحت بعض المعاني والألفاظ الصعبة أو التي يقع فيها وهم ولبس سواء أكان ذلك في النثر أم في الشعر، وقد جاء في الأصل بياض وسقط، فوضعت الساقط أو الكلمات التي توضح المعنى أو يقتضيها السياق بين معقوفتين، أما الشعر المضطرب فقد أصلحته وفق المصادر وإن لم أجد مصدرا اجتهدت في تقويمه وأشرت إلى الأصل المخطوء في الهامش.
وقد أردت أن أخدم الكتاب بصنع فهارس وافية تيسر الإفادة منه والرجوع إليه. وما التوفيق إلا باللَّه العلي العظيم.
1 / 23
كِتَابُ الرِّدَّةِ لِلْوَاقِدِيِّ رِوَايَةُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن أعثم الكوفي
1 / 25
[اضطراب امر الناس عند وفاة النبي ﵌]
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين رَوَى أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصِ بْنِ مِهْرَانَ الْبَرْدَعِيُّ أَعَزَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ أَعْثَمَ الْكُوفِيُّ [١] قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْمِنْقَرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ الْوَاقِدِيُّ الأَسْلَمِيُّ [٢]، وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلاءِ الْقُرَشِيُّ الْمَدَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْكِنْدِيُّ، وَنَصْرُ بْنُ خَالِدٍ النَّحْوِيُّ وَأَبُو حَمْزَةَ الْقُرَشِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ الْمُطَّلِبِيِّ [٣]، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ زَيْدُ بْنُ رُومَانَ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ [٤]،
_________
[١] أحمد بن محمد بن علي بن أعثم الكوفي، أبو محمد، مؤرخ من أهل الكوفة، من كتبه المشهورة (الفتوح) انتهى فيه إلى أيام الرشيد، و(التاريخ) من أيام المأمون إلى أيام المقتدر، قال ياقوت: رأيت الكتابين، توفي ابن أعثم سنة ٣١٤ هـ-.
(معجم الأدباء ٢/ ٢٣٠، دائرة المعارف الإسلامية ١/ ٩١، الأعلام ١/ ٢٠٦» .
[٢] في الأصل: (السلمي) .
[٣] محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي بالولاء، المدني، من أقدم مؤرخي العرب، من أهل المدينة، كان جده يسار من سبى عين التمر، قال ابن حبان: لم يكن أحد بالمدينة يقارب ابن إسحاق في علمه أو يوازيه في جمعه، وهو من أحسن الناس سياقا للأخبار، له من الكتب (السيرة النبوية) هذّبها ابن هشام و(كتاب الخلفاء) و(كتاب المبدأ) وكان من حفّاظ الحديث، سكن بغداد ومات فيها سنة ١٥١ هـ-.
(تهذيب التهذيب ٩/ ٣٨، طبقات ابن سعد ٢/ ٧/ ٦٧، معجم الأدباء ٦/ ٣٩٩، وفيات الأعيان ١/ ٤٨٣، تاريخ بغداد ١/ ٢١٤، الأعلام ٦/ ٢٨) .
[٤] صالح بن كيسان المدني، من فقهاء المدينة الجامعين للحديث والفقه، وهو أحد الثقات
1 / 27