بَابُ الحثِّ عَلَى طَلَبِ الحَدِيثِ وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُكْتَبْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ الحَدِيثُ والذبِّ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِ الحَدِيثِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَفَضْلِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ.
وادَّعَى المُعَارِضُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَوْلَهُ: إِنَّ الأَثَرَ مَا رُوي عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَعَنْ أَصْحَابِهِ ﵃ أَجْمَعِينَ. ثُمَّ أَنْشَأَ طاعنًا على الآثَار.
وروى عَنْ أَبِي يُوسُفَ الآثَارَ تَصُدُّ النَّاسَ عَنْ طَلَبِهَا وَتُزَهِّدُهُمْ فِيهَا، بِتَأْوِيلِ ضَلَالٍ يُرَى مَنْ بَيْنِ ظَهْرَيْهِ أَنَّهُ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ ذَلِكَ مُصِيبٌ.
فَكَانَ مِمَّا تَأَوَّلَ فِي رَدِّهَا أَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «سَيَفْشُو الحَدِيثُ عَنِّي، فَمَا وَافَقَ مِنْهَا القُرْآنَ فَهُوَ [٤١/ظ] عَنِّي، وَمَا خَالَفَهُ فَلَيْسَ عني».
فَيُقَالُ لِهَذَا المُعَارِضِ: لَقَدْ تَأَوَّلْتَ حَدِيثَ رَسُولِ الله ﷺ عَلَى خِلَافِ مَا أَرَادَ، إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «سَيَفْشُو الحَدِيثُ عَنِّي» عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَتَدَاوَلُهُ الحُفَّاظُ مِنَ النَّاسِ وَالصَّادِقُ، وَالكَاذِبُ، وَالمُتْقِنُ، وَالمُغَفَّلُ، وَصَدَقَ رَسُولُ الله ﷺ. قَدْ تَبَيَّنَ مَا قَالَ فِي الرِّوَايَاتِ، وَلِذَلِكَ يَنْتَقِدُهَا أَهْلُ المَعْرِفَةِ بِهَا، فَيَسْتَعْمِلُونَ فِيهَا رِوَايَةَ الحُفَّاظِ المُتْقِنِينَ، وَيَدْفَعُونَ رِوَايَةَ الغُفَلَاءِ النَّاسِينَ، وَيُزِيِّفُونَ مِنْهَا مَا رَوَى الكذَّابون، وَلَيْسَ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ الِاخْتِيَارُ مِنْهَا، وَلَا كُلُّ النَّاسِ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِضَهَا عَلَى القُرْآنِ، فَيَعْرِفَ مَا وَافَقَهُ مِنْهَا مِمَّا خَالَفَهُ، إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى الفُقَهَاءِ، العُلَمَاءِ الجَهَابِذَةِ النُّقَّادِ لَهَا، العَارِفِينَ بِطُرُقِهَا وَمَخَارِجِهَا، خِلَافَ المَرِيسِيِّ وَاللُّؤْلُؤِيِّ وَالثَّلْجِيِّ، وَنُظَرَائِهِمُ المُنْسَلِخِينَ مِنْهَا، وَمِنْ مَعْرِفَتِهَا، وَمِمَّا يُصَدِّقُهَا مِنْ كِتَابِ الله تَعَالَى.
فَقَدْ أَخَذْنَا بِمَا قَالَ رَسُولُ الله ﷺ، فَلَمْ نَقْبَلْ مِنْهَا إِلَّا مَا رَوَى الفُقَهَاءُ