المَرِيسِيُّ لَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ لِإِبْرَاهِيمَ: فَإِلَهُكَ أَيْضًا لَا يَسْمَعُ بِسَمْعٍ، وَلَا يُبْصِرُ بِبَصَرٍ.
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي أَصْنَامِ العَرَبِ: ﴿أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٩٥]، يَعْنِي: أَنَّ اللهَ بِخِلَافِهِمْ، لَهُ يَدٌ يَبْطشُ بهَا، وَعَيْنٌ يُبْصِرُ بِهَا، وَسَمْعٌ يَسْمَعُ بِهِ.
وَادَّعَيْتَ أَيْضًا أَنَّا إِنْ قُلْنَا: إِنَّ الله يَسْمَعُ بِسَمْعٍ، وَيُبْصِرُ بِبَصَرٍ، فَقَدِ ادَّعَيْنَا أَنَّ بَعْضَهُ عَاجِزٌ، وَبَعضَهُ قَوِيٌّ، وَبَعْضَهُ تَامٌّ، وبَضْعَهُ نَاقِصٌ، وَبَعْضَهُ مُضْطَرٌّ، فَإِنْ قُلْتُمْ: هُوَ ...
أَيُّهَا المَرِيسِيُّ! لَا يَجُوزُ هَذَا القِيَاسُ فِي صِفَةِ كَلْبٍ مِنَ الكِلَابِ؟ فَكَيْفَ فِي صِفَةِ رَبِّ العَالَمِينَ؟ بَلْ حَرَامٌ عَلَى السَّائِلِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ مِثْلِ هَذَا، وَحَرَامٌ عَلَى المُجِيبِ أَنْ يُجِيبَ فِيهِ وَالعَجَبُ مِنْ قَائِلِهِ، كَيْفَ لَمْ يَخْسِفِ الله بِهِ؟
غَيْرَ أَنَّ الله حَلِيمٌ ذُو أَنَاةٍ، وحَلِمَ عَمَّن قَالَ: ﴿اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: ٧٣]، وَعَمَّنْ قَالَ: ﴿اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾ [البقرة: ١١٦]، وَعَمَّنْ قَالَ: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤)﴾ [النازعات: ٢٤] وَمَنْ قَالَ: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ [المائدة: ٦٤]، وَكَذِلَكَ حَلِمَ عَنْ هَذَا المَرِيسِيِّ، إِذْ لَمْ يَخْسِفْ بِهِ وَلَمْ يُعْجِزْهُ هَرَبًا.
وَيْلَكَ أَيُّهَا المَرِيسِيُّ! إِنَّا لَا نَدَّعِي فِيهِ هَذِهِ الخُرَافَاتِ الَّتِي احْتَجَجْتَ بِهَا مِمَّا لَيْسَ لِمِثْلِهَا جَوَابٌ، وَنُجِلُّهُ أَنْ نَلْفظَ فِي صِفَاتِهِ بِهَذِهِ الخُرَافَاتِ، غَيْرَ أَنَّا سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنَّهُ ﴿سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥)﴾ [الحج: ٧٥] و﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (٤٦)﴾ [طه: ٤٦]، فَفَرَّقَ بَيْنَ السَّمْعِ وَالبَصَرِ، فَأَخَذْنَا عنَ اللهِ، وَرَدَدْنَا عَلَيْكَ جَهْلَكَ وَخُرَافَاتِكَ.
أَوَ لَمْ تَقُلْ أَيُهَّا المَرِيسِيُّ: إِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَهَّمَ فِي صِفَاتِ الله بِمَا يَعْرِفُ