Reasons for the Torment of the Grave
من أسباب عذاب القبر
Genre-genre
تذكر وتأمل قبل أن تزل القدم
هل تعرف أن أحد السلف مات، فلما رؤي بعد موته، وكان من المشهود لهم بالخير، قيل له: ماذا صنع الله بك؟ قال: غفر لي غير أني محبوس عن الجنة في إبرة استعرتها ولم أردها، ما سرقها وما غلها، ولكن استعارها ونسي قبل أن يموت أن يعيدها، فحُبس عن الجنة؛ لأن الله يقول: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [الزلزلة:٨] ما هي مثقال الذرة؟ أصغر شيء، كان الناس يظنون أن الذرة هي ذرات الغبار التي نراها في الهواء، لا، الذرة التي ثبتت في العلم الآن هي: أصغر جزء من المادة، لا ترى بالعين المجردة، من يأتِ بمثقال ذرة خيرًا يجده، ومن يأت بمثقال ذرة شرًا يجده؛ لأن الميزان حساس، يقول الله ﵎: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء:٤٧] .
فلا تحتقرن شيئًا يدخل بيتك من بيت مال المسلمين، ولا تستعمل شيئًا إلا ما كان في مصلحة عملك، وفي خدمة واجبك الذي ائتمنك عليه ولي الأمر، فهذا الحديث كما قلت لكم في الصحيح: (فيقول: أغثني يا رسول الله! فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا قد أبلغتك) .
وروى أيضًا البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة ﵁، قال: (خرجنا مع رسول الله ﷺ إلى خيبر ففتح الله علينا، فلم نغنم ذهبًا ولا ورِقًا، ولكن غنمنا متاعًا وطعامًا وثيابًا، ثم انطلقنا إلى الوادي -يعني: وادي القرى، ووادي القرى وادٍ قِبل خيبر - ومع رسول الله ﷺ عبدٌ له وهبه له رجلٌ من جذام يدعى رفاعة بن يزيد من بني الضبيب، فلما نزلنا الوادي قام هذا العبد -عبد رسول الله ﷺ يحل رحله -أي: يحل الحمل من على رحله- فرمي بسهم غريب -والسهم الغريب الذي لا يُعرف مرسله- جاء من السماء وارتطم به فضربه بشدقه فكان فيه حتفه، فقلنا: هنيئًا له الشهادة يا رسول الله! فقال ﷺ: كلا، والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلها من الغنائم لم تصبها المقاسم لتلتهب على ظهره في النار، قال: ففزع الناس، وارتبكوا وخافوا، -قالوا: إذا كان هذا من أجل شملة حالت بينه وبين الجنة- فجاء رجل بشراك -والشراك أي: فردة من نعل أخذها من الغنيمة- فقال: يا رسول الله! شراك أخذته، قال: شراك من نار، فجاء آخر وقال: شراكين يا رسول الله! قال: شراكين من نار) والعياذ بالله! وروى النسائي وابن خزيمة في صحيحه عن أبي رافع ﵁ هذا الحديث العظيم، قال: (كان رسول الله ﷺ إذا صلى العصر ذهب إلى بني عبد الأشهل -بني عبد الأشهل هم قوم سعد بن عبادة في المدينة من الأوس - فيتحدث عندهم حتى تنحدر الشمس بالغروب -قال أبو رافع:- فبينما النبي ﷺ عائدٌ منهم مسرع إلى المغرب -يريد أن يلحق الصلاة في مسجده- مررنا بـ البقيع - البقيع: هي المقبرة التي بها الصحابة ﵃ فقال ﷺ: أفٍّ لك، أفٍّ لك، أفٍّ لك، قال: فكبرُ عليَّ ذلك -أي: في نفسي- وعظم عندي موقعه، واستأخرت عنه وظننت أنه يريدني، فقال: ما لك لا تمش، قال: أحدث حدثٌ يا رسول الله؟ قال: وما ذاك، قال: إنك تأففت مني ثلاثًا، قلت: أفِّ لك، أفِّ لك، أفِّ لك، قال: لا.
ولكن هذا فلان، ثم أشار إلى واحد من المقبورين في المقبرة في البقيع، بعثته ساعيًا على بني فلان -يعني: عامل عندهم- فغل نمِرةً -والنمِرة كساء يلبسه الأعراب، وهو من الصوف- فغل نمرةً فَدُرِّع بمثلها في النار) .
أي: جعل له درعًا مثلها، أي: من تفصيلها في نار جهنم والعياذ بالله! وروى النسائي وابن حبان في صحيحه واللفظ للحاكم قال: صحيح على شرط البخاري ومسلم: (من جاء بريئًا من ثلاثة دخل الجنة: من الكبر، والغلول، والدَّين) فمن جاء بريئًا من ثلاثة دخل الجنة أي: مع بقية شرائع الدين؛ لأن هذه موانع تمنع الإنسان، الكبر، والغلول، والدَّين.
2 / 11