في سراة القوم أو الذوات من لا يمتازون عن أصغر الناس إلا بمن يحوم حولهم من المداهنين والمدلسين والدجالين. •••
النفوس أدوية يشترك في مزجها الله والإنسان، فمنها المرة ومنها الحلوة ومنها الحامضة ومنها المزة ومنها - وهذه أكره من كل الأدوية - ما لا طعم ولا لون لها.
الحكيم من اشتغل في سفينة نفسه كل يوم وظل متأهبا والجاهل المغتر بأمواله لا يهتم بذلك حتى يسمع هدير الأمواج ويراها تتصاعد حول قصوره ولكن الطوفان يا سيدي لا ينتظرك، وساعة يجيء لا ينفعك اهتمامك وتجديفك وصراخك «هاتوا خشب، هاتوا مسامير، أين الخدم، أين هؤلاء الحمير» آه يا سيدي إن أذنيك لأطول من أذني خادمك؛ فهو اليوم في فلكه يسبح ويسبح وأنت في غيك تموت. •••
قالت امرأة الفيلسوف لزوجها: أرى الناس ينددون بك ويسفهون أقوالك وينكرون عليك تصرفك، فأجابها الفيلسوف: إن هذا من حبهم يا حبيبتي، فلو كنا كالجماد أو كالثيران لما كان الناس يفكرون بنا، لما كانوا يذكروننا لا في خيرنا ولا في شرنا، وقد تتعجبين كيف أن الحب يحملهم على السفاهة والقباحة ولكن إذا قلت لك: إن البغض إنما هو بطانة الحب أفلا يزول عجبك؟ نعم إن هذه العاطفة السرية الخفية وإن شوهها الجهل وأفسدها التعصب وصهر عينيها الحسد؛ تظل حبا على الرغم من صاحبها، ولكن إذا وقفت على رأسها تظهر بطانتها فتبدو سوأتها فيظنها الناس بغضا ويكرهونها. •••
العالم لا يستنكف من تغيير عقيدة له أو إصلاحها إذا استوجبت ذلك الحقيقة.
ما أفقر الإنسان إذا كان لا يستطيع أن يرفع نفسه فوق نفسه. •••
حاولت مرة أن أكره رجلا يحبه قلبي، فركبت في شنآني مركب الغش والخداع وكنت واهما أنني أبغضه وأنا في الحقيقة أحبه، وظللت كذلك إلى أن ثارت علي نفسي فونبتني وطلبت إلي أن أصلح الأمر، أن أكفر عن ذنبي تجاه ضميري وتجاه صديقي، فرحت أطلبه لهذه الغاية فما وجدته، بل وجدته طريح الفراش، وجدته وا رباه جثة باردة. مات صديقي قبل أن أراه وأكلمه وأستغفره، مات قبل أن يسمع الكلمة التي يعذب في فمي لفظها، مات ولم ير ثوب الخداع الذي حرقته حول نعشه، مات والموت في عينيه يحدجني ويقول: وهل سمعت أنني أمهلت مرة أحدا من البشر ليصلح أمره، ليسدد حسابه، وإن كنت لا تراني ولا تسمع صوتي ألا تفهم نفسك نبئي، أفلا يشعر ضميرك بثقل يدي؟ بلى ورب السماوات، الموت يثأر بالصدق والحق، الموت ينتقم من الحب الواقف على رأسه، فإن كنت في شيء من مثل هذا أيها القارئ العزيز عجل-عجل إلى صديقك إلى حبيبك؛ قبل أن يحول الدهر بينه وبين حبك، قبل أن يمنعك الموت من إصلاح أمرك وتسديد حسابك.
الباب الثانى
في الباب
لا المجد والشهرة أمنيتي القصوى، ولا الجاه والثروة، ولا السيادة والعظمة. أمنيتي الجوهرية الأولى هي أن أكون بسيطا في أعمالي، صادقا في أقوالي، مستقيما في مبادئي وآرائي، فطريا في تصرفي وسلوكي، حرا فيما أحب وما أكره. وبكلمة أخرى أود أن أكون دائما نظيف العقل والقلب والجسم، بعيدا عن التصلف والزخرف والعجب والمصانعة، بعيدا عن الجبن والخوف والتذبذب، بعيدا عن الخجل الذي يذل النفس ويميت الحقيقة، بعيدا عن الكذب والجربزة والمداهنة والرياء.
Halaman tidak diketahui