المتعصب على رأس الأشهاد وإن كان من طبقة واطية من الحيوانات الناطقة هو خير من متعصب يتظاهر بالتساهل.
المتعصبون فصيلة غريبة من الحيوانات ذوات الاثنين، ومثل سائر الفصائل الحيوانية فيها أنواع وأشكال. وأهم ما هو معروف منها اليوم ما كان كالثعلب أو كالذئب أو كالبزاقة أو كالعقاب، فالأول جبان يتعصب في ظلام الليل، ويخاف في ضياء القمر خيال ذنبه. والثاني يفترسك ويفترسني - لو كان بإمكانه - إن كنا لا نرى ما يراه أو لا نصلي وراه. والثالث لا يهمه من العالم سوى صدفته ونقطة المطر التي يبل فيها قرنه «وحافة» القديس الذي يلتجئ إليها من نور الشمس، وما سوى ذلك فهو لا يدرك شيئا من وجوده أو مما فوق أو تحت وجوده. والرابع يظل في الفضاء مترفعا مترفضا إلى أن يشتم رائحة الجثة فينقض عليها كما لو كانت من المن والسلوى. وهناك نوع آخر قديم العهد ... فهمت معنى إشارتك وسأقف عند هذا الحد في التفصيل ... على أن ذاك المخلوق الشريف الجبار الذي يتعصب لحق الله ودين الله، فوا أسفاه! ... قد انقرض نوعه من زمن طويل ولم يعد لك أن ترى منه إلا العظام في الأنتكخانة. •••
الناس أشباح تحركها الأغراض والأهواء، وتتقاذفها في بحار الحب والبغض الرياح والأنواء.
الدين دينان، دين نظري ودين عملي، فالدين النظري إنما هو رغبة الإنسان في دوام الحياة الروحية، وخشوعه أمام سر الأسرار العظيم، وإدراكه أن هناك صلة خفية تربطه بأبديتين إلهيتين، أبدية وراء المهد وأبدية وراء اللحد. والدين العملي الحي إنما هو العمل بنواميس الطبيعة، أي: شرائع الله المنطبعة على لوح قلب كل إنسان، فإن كنت يا أخي من الذين يتقون الله فلست إذا من الخاسرين، ضع آمالك في هذه النجوم فوق رأسك، وفي هذه القبور تحت قدميك وسر في طريقك يا أخي ولا تبال، لا تبال بمن يتجنون عليك باسم الدين ويهددونك بغضب السماء وبنار الجحيم إذا كنت لا تعمل بتقاليدهم ولا تسجد لأصنامهم ولا تتمتم صلواتهم، سر في طريقك ولا تبال. أما إذا كنت لا تستطيع أن تعزز جانب نفسك وحريتك فتنصر الحق على الباطل في كل وقت ومكان وفي أي حال كان، إذا كنت لا تستطيع أن تحافظ على نور الله في قلبك وعلى عدل الله في ضميرك فالأوفق لك أن تعود إلى القطيع الذي انفصلت عنه، عد إلى الحظيرة التي خرجت منها، فكلب الخراف هناك يحميك - في الأقل - من ذئاب الدهريين. •••
إن في وفيك شيئا من السديم وشيئا مما وراء السديم، بل في وفيك سر أبدي عظيم، لا يكشف الحديث من العلم غامضه ولا القديم.
الجرذان في قبوك لا يعرفون ما إذا كان القبو ثابتا إلى الأبد أو إلى حين، ولا يعرفون من شيده ولماذا، إنما هم يعيشون في زاوية منه أو بالحري في ظلماته، فيجدون في طلب رزقهم، ويدافعون عن أنفسهم، ويهربون من وجه الحيوانات المتسلطة عليهم، فيضاعفون نسلهم ويضاعفون في ذلك عذابك. هذه زبدة حياتهم ومصلها في القبو الذي بنيته لنفسك لا لهم. والبشر في هذه السيارة الصغيرة التي تدعى الأرض إنما هم - جل شأنك - كالجرذان، فإننا نعمل كأحقر المخلوقات في الظلمات، ولا نعرف ما إذا كان العالم ثابتا إلى الأبد أو إلى حين، ولا نعرف الغاية التي من أجلها شيد هذا القبو الذي يدعى الأرض ولا الغاية من وجودنا فيه، ناهيك عن قصد البناء العظيم الذي ... هس! إنما نحن كالجرذان. •••
على الأديب أن يبدأ بنفسه فيؤدبها بعلمه، وكم نقرأ في الجرائد اليوم من النصح والإرشاد والتنديد والانتقاد، فلا نكاد ننتهي من قراءة المقالة حتى نقف مدهوشين عند اسم كاتبها العظيم، ما شاء الله! وما ضر هذا الناقد الناصح المرشد لو اختلى في بيته وقفل الباب جيدا وسد النوافذ بالقطن أو بورق الخرنوب وبدأ بنفسه؟ أما ينبغي أن تسمع أذنه صوته ويشعر ضميره بما يجترئ عليه قلمه؟ أعوذ بالرب الأحد من حارض نقد، ومن النفاثات في العقد!
لكل نوع من المادة مزية لا تنفصل عنه، لكل نوع منها فضيلة من شأنها الصعود من الأوطى إلى الأعلى. فالغاز مثلا يتبدد فيتجمد في الفضاء، والماء يتبخر فيتكون غيوما، والأزوت يحل في النبات فينمو ورقا وأزهارا وثمارا، ويحل في ذوات الأربع فتتنفس وتنشأ وتمشي، ويحل في الإنسان. وهذي هي العقدة التي لا يحلها عقل الفيلسوف ولا يقطعها سيف الإسكندر، فإن كان في الأزوت جرثومة الفكر والخيال هل تكون هذه الجرثومة كامنة يا ترى في أوراق الشجر وفي غريزة الحيوان كما تظهر نتائجها في حياة الإنسان؟ •••
إن الغناء الحقيقي لفي الأشياء التي يستطيع المرء أن يستغني عنها، وسأتولى بنفسي شرح الآية هذه المرة. إذا كنت فقيرا ولم يكن لي رغبة في نوافل العيش وكشاكشه كالعربات والخيل المطهمة والطنافس والرياش ودواعي الرفاه كلها فأنا - إذا - الغني. وإن كنت متمولا وكان دخل أموالي لا يكفي لأدب المآدب وإحياء ليالي الرقص والغناء، بل لا يكفي لدفع أجور خدامي وعبيدي وساحة خيلي فإني إذا لمن الفقراء. كم من الأشياء تغنينا إذا استغنينا عنها وكم من الأشياء تفقرنا إذا طلبناها كالأطفال واستخدمناها كالمجانين! •••
في زخارف المدينة المعبودة، مائة مصيبة منقودة.
Halaman tidak diketahui