لبنان، لبنان! قد زهدنا إخواننا السوريين بلبنان، كأن لأهل لبنان حقا لا حق به لغيرهم من السوريين، يا لها من عصبية تذل، يا لها من لبنانية ضيقة، إن السوري أخي والمسلم أخي، وإن الحق الذي أتمتع به وحدي ليضعفني أدبيا؛ لأنه يثير المحروم منه علي فيضطرني إلى أن أقاتله ظلما وعدوانا.
سوريا واحدة لا تتجزأ، فإذا نال السوري حريته ونوعا من استقلاله يشمل ذلك اللبناني والفلسطيني، المسيحي والمسلم والدرزي على السواء. والذي يخاف من مثل هذه المساواة هو ضعيف عاجز لا ثقة له بنفسه، ولا هو أهل للحرية ولا الاستقلال.
وإذا كانت فرنسا لا تستطيع أن تبسط حمايتها على سوريا كلها فهي لا تبسطها على لبنان وحده، والمستقبل شاهد على ما نقول.
1
بين شاعر وعالم
في صفحة واحدة من «مرآة» اليوم قصيدة ومقال يستحقان الذكر والإعجاب، أما القصيدة فلصديقي الشاعر أبي ماضي، وهي من جميل شعره مبنى ومعنى، إلا أنه يندب فيها آماله الغوالي وأحلامه الحسان.
وأما المقال فلصديق آخر اجتمعت به لأول مرة في باريس وقد استصحبه والده ليلقي عليه درسا من لوح الوجود في التمدن الغربي وما فيه من محاسن وآفات، فشمت في زيدان الصغير حينئذ نفسا سماعة، وفكرة واعية جلية، وهو اليوم صاحب الهلال يعالج في المقال الذي نقلته «المرآة» موضوع اليوم، فيبرهن بأجلى حجة على وجود الوحدة السورية الجغرافية والقومية.
القصيدة «زهرة من أقحوان» إنما هي أنشودة يأس تطرب وتحزن، والمقال «سوريا على مفترق الطريق» إنما هو نبراس علم ينير ولا يثير، وفي هذا كما في تلك وطنية صادقة صافية لا أذناب لها، ولا غبار عليها، على أن في القصيدة - كما في المقال - شائبة تعد نقصا في نظر أولي النهى والعرفان.
صاحب الهلال الشاب يحذو حذو أبيه في الإنشاء والتهذيب، فلا يمس في مباحثه الشخصيات شأن العالم الحقيقي، ولكنه يتحاشى حتى التقية الإساءة إلى أحد من الناس، أو إلى حزب من الأحزاب، أو إلى طائفة من الطوائف.
بحث في المقال الذي نشرته «المرآة» في الوحدة القومية بحثا علميا فوقف فيه عند حد المزالق والأخطار، ولم يبد لنا رأيا في حل مشكل المشاكل السورية، ولا أشار إشارة إلى طريقة ما تمكننا من التوصل إلى الوحدة القومية. ولعله كتب مقالا آخر لم أطلع عليه يدلنا فيه - بعد أن وصف الدواء - إلى من يحسن تركيب أجزائه، على أنه أكد لنا في مقاله هذا أن «ليس من شأن الهلال خوض ميدان السياسة التحزبية»، والسياسة اليوم لا التهذيب قابضة على نفس سوريا وعلى عقلها وعلى موارد تجارتها وعلى خيراتها الدفينة، فكيف يمكنا أن نخلص بلادنا من قبضة السياسة التحزبية؟ أو كيف يمكننا - في الأقل - أن نجعل يد السياسة عليها يد برد وسلام، يد حكمة واتحاد ووئام؟ هذا هو القسم الثاني بل القسم الأهم من مقال صاحب الهلال تركه - على ما أظن - لغيره من الكتاب، وسنكتبه عنه - إن شاء الله.
Halaman tidak diketahui