أما القديس أغسطينوس فعد إلى كتابه الذي يدعى «الاعترافات» تجد في كل صفحة من صفحاته شيئا من هذا الجهر المدهش المفيد.
وقد قال الغزالي - مشيرا إلى علم الطب وعلم النجوم وعلم الهيئة والحيوان إن هذه علوم «ولكن لا يتوقف على معرفتها صلاح المعاش والمعاد» ولكنه قال أيضا: كما يستحيل الوصول إلى اللب إلا من طريق القشر، فيستحيل الترقي إلى عالم الأرواح إلا بمثال عالم الأجسام.
وفي أقواله كثير من مثل هذه المناقضات؛ لأنه إذا زعمنا هذا الزعم فلا تصح العلوم الروحية إلا إذا صحت العلوم المادية، والحقيقة في هذه إنما هي باب إلى الحقيقة في تلك، وهو نفسه القائل بها، وقد وضعها في قالب بديع جميل. «من ذهل عن تدبير المنزل والمركب لم يتم السفر، وما لم يتم أمر المعاش في الدنيا لا يتم أمر التبتل والانقطاع إلى الله الذي هو السلوك.»
العلوم المادية إذا هي أساس العلوم الروحية، وكتب الدين مصابيح تنار بها مسالك الحياة لا مقاييس تقاس بها العلوم البشرية.
وقد يتفق كبار العارفين والمفكرين في أمور منها أمر التشويش؛ لأن التعمق في دار العلوم يؤدي إلى التغلغل في سرادبها.
وجدير بالناظر إلى أسرار الكون في منظار الغزالي أو القديس أغسطينوس أو العلماء الماديين التمثل ببيت للمعري، الفيلسوف العقلي، إذ قال مرددا صدى صاحب السر الأعلى:
أوف ديوني وخل أقراضي
مثلك لا يهتدي لأغراضي
صديقي الأعز
إن لم تحاسب نفسك سرا حاسبك غيرك جهرا
Halaman tidak diketahui