متى تزول الشقاقات الدينية ويداس التعصب تحت نعال المدنية؟
متى نؤلف جمعية التساهل، ونبني كنيسة التساهل، ونشيد مدرسة التساهل، ونؤسس جريدة التساهل، ونفتح محل التساهل ولوكندة التساهل، وتصير أعمالنا كلها تساهلا بتساهل، أي: متى تشملنا هذه الحالة السعيدة ؟
أنا الآن أقترح على أصحاب جريدتنا العربية في الثغر خصوصا وفي العالم العربي عموما إذا كان صوتي هذا الضعيف يصل إليهم أن ينشروا على صفحات جرائدهم الغراء إعلانا بأحرف ضخمة كبيرة عن التساهل الديني وأنه يعطى بلا ثمن. ومن أراد أن يقتنيه ويعمل به فليطرق باب ضميره، فهو البائع وهو الشاري، هو الواهب وهو الموهوب. ولو كنت ذا قدرة مالية لنشرت هذا الإعلان على نفقتي فيسدني الحساب الله يوم الغنيمة، يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئا، فلنتساهل إذا، فلننشر إعلان التساهل.
التساهل أيها الشيوخ الأجلاء، التساهل أيها الشبان الأدباء، التساهل أيها الصحافيون والأدباء، التساهل أيها التجار والرؤساء، التساهل أيها السوريون الأحباء، التساهل! لو كان لي ألف لسان ولو تكلمت من الآن إلى يوم الدين لما عييت من تكرار وترديد هذه اللفظة العذبة السهلة اللطيفة، لفظة كرهتها الأجيال المتوسطة وكلف بها الجيل التاسع عشر، لفظة عززتها الجمهورية في هذا الجيل، لفظة انفتحت لها قلوب المتمدنين المخلصين لأبناء جنسهم، وتأهلت بها الضمائر الحرة والعقول الصحيحة، لفظة طيب شذاها يملأ الفضاء وذكاء عرفها ينعش الصدور، هي أحسن وأظرف وألطف وأبدع وأمتن وأجمل وأرفع وأسهل لفظة وجدت في معاجم اللغة.
التساهل هو أساس التمدن الحديث وحجر زاوية الجامعة المدنية، التساهل شدد عزم الأحرار فبرزت من عقولهم أسمى الأفكار.
التساهل أوجد الترقي والتقدم في كل فروع العلم والدين والفلسفة.
التساهل أيد سلطة الضمير ومحق السلطة التي لم ينزل الله بها من سلطان.
التساهل أعطى كل امرئ حقه فتمتع به ومارسه بحرية واستقلال.
التساهل وضع حدا للاضطهادات الفظيعة وكسر السيف الذي استخدمته الدول لاستئصال شأفة من خالفها بالمذهب.
التساهل أطفأ بنفسه القوي النار التي أضرمها الإكليروس لحرب اليهود والكفار.
Halaman tidak diketahui