Pandangan Mengenai Abi al-Ala: Lelaki yang Menemui Dirinya Sendiri

Amin Khuli d. 1385 AH
224

Pandangan Mengenai Abi al-Ala: Lelaki yang Menemui Dirinya Sendiri

رأي في أبي العلاء: الرجل الذي وجد نفسه

Genre-genre

ونحو ذلك من آثار خطابية وعظية الروح، وهي مع أقواله في التأليف مما يكفي للحكم بأن له شخصية واعظة قد عنيت بالخطابة الدينية عناية لا يقبل من الباحث إهمال دلالتها على خصائص في فن الرجل وأدبه حين ننظر - كما هو المنهج السديد - في هذا الفن وذلك الأدب على أنه وحدة متماسكة وكل متصل الجوانب. •••

فأبو العلاء قد عني بالخطابة الدينية هذه العناية الواضحة، وهي إنما تقوم على المقدرة الاستهوائية والبراعة الخلابة التي تستطيع تزيين الشيء والتحبيب فيه، وتقبيحه والتنفير منه، وهو ضرب من القول في المحاسن والأضداد، أو المحاسن والمساوئ الذي عرضنا لذكره كي نعرض عليه تقابل آراء أبي العلاء، ونلتمس فيه تعليلا كافيا لها، ومن أجله أشرنا تلك الإشارة العارضة إلى شخصية الواعظ في صاحبنا، وليس بعيدا أن تكون معاناة هذا الأدب الخطابي بعد اتجاه نفس الرجل إليه، واجتهاده في قصر نفسه عليه ما لم يضطر إلى غيره اضطرارا ليس بعيدا أن يكون ذلك كله سببا لشيء من القول المتقابل أو المتغاير الذي نجد في ثبت المؤلفات نفسه شاهدا عليه إن نسينا ما سبق من شواهد هذا التقابل على كثرته، وما نجده من التقابل في ثبت المؤلفات هو ما ذكروه في جريدة تلك المؤلفات من أن أبا العلاء ألف كتابا اسمه «شرف السيف» لرجل بدمشق كان يوجه إليه بالسلام، ويخفي المسألة عنه، فأراد جزاءه على ما فعل فألف له هذا الكتاب.

وهل تراه قال في شرف السيف ما هو من وادي تلك العظات المسبحات لله الممجدات له، الزاهدة في الدنيا المنفرة منها، المرغبة في الآخرة الداعية إليها على نحو ما نراه - على الأقل - في كتابه الفصول والغايات؟ لا بد أنه لم يقل في شرف السيف إلا ما يختلف عن تلك النزعة الواعظة والروح المستضعفة، وكذلك نجد حتى في مؤلفاته شواهد هذا الاختلاف والتقابل الذي يشبه القول في حسن الشيء وقبحه على نحو ما عرف من هذا الصنف في الكلام ...!

ولعلنا لا نبعد أبدا إذا ما قلنا: إن هذه الروح الخطابية متصلة الأثر بالشعر العلائي في الموت وفناء الدنيا وكراهتها، والحط من شأنها، وتزهيد الناس فيها، ولوم الناس وذمهم، ذلك اللوم القاذف الساب، الذي ظللنا نسمع الكثير منه في الخطب المنبرية لعهد قريب، لما يتغير تماما في بعض جهات مصر بعد، ودارس أبي العلاء يجد ريح هذا في اللزوميات غير قليل، ويستطيع القول بأنه أثر لتلك الشخصية الواعظة فيه.

على أنا حين نصل بين النثر الواعظ والشعر الزاهد للرجل، ونربط بين الخطيب الواعظ فيه، والشاعر الناقد، ونقدر أثر الطابع الخطابي في ذلك كله، وندخله تحت باب القول في المحاسن والأضداد من صناعة الأدب، دون أن يكون ذلك كذبا عندهم أو تصويرا لاعتقادهم ... إلخ، حين نفعل ذلك كله نسأل بعده: أتكفي هذه الاعتبارات لتعليل تقابل أقوال أبي العلاء ذلك التقابل الذي وصفناه؟

وقبل أن نجيب القارئ عن هذا السؤال - أو قبل أن يتجه هو للإجابة عنه - نضع أمامه معاني يجدر به تقديرها قبل هذه الإجابة، منها: أن هذا الباب من القول في المحاسن والأضداد لا يبعد كثيرا عما قبله، بل هو من واديه في تحسين الكلام، وإظهار للمقدرة القولية في القائل، دون أن يعد ذلك القول منه رأيا أو عقيدة، بل دون أن يظن ذلك فيه. وأبو العلاء لم يؤلف كتبه النثرية أو الشعرية لمثل هذا الغرض من المرانة القولية أو لتقديم المادة الأدبية لطلابها على نحو ما فعل الجاحظ مثلا في كتاب المحاسن والأضداد ، أو فعل غيره بعده.

ومنها: أن أبا العلاء كان جادا فيما يعرض له من تحسين أو تقبيح، بل كان جده يبدو في ألم وسخط، أو تحرق وغيظ ، أو تمن وتوسل، ينم على أن صاحبنا لا يقول مثل هذه الأقوال بيانا للمقدرة الأدبية والقوة البيانية فحسب، وإن كان يستعمل في ذلك ثروته اللغوية ومادته الأدبية من رواية وحفظ، بل إنه إنما يتخذ تلك المقدرة وسيلة للتقبيح أو التحسين عن شعور، أو بعبارة أدق إنما يتخذ ذخيرته اللغوية وثقافته الأدبية وسيلة للتعبير الدقيق عن خواطر نفسية، وتأملات فنية، وخلجات داخلية، كانت تزخر بها نفسه، ويجيش بها صدره، دون أن يعرض لما يعلنه أولئك الأدباء من تناول الشيء وضده، تقننا أدبيا ومرانة قلمية لا غير.

9

ومنها: أن أصحاب هذه الصنعة في المحاسن والمساوئ إنما يعرضون لأشياء من مألوف الحياة وحطام الدنيا؛ كمحاسن الجواري وضد ذلك، ومحاسن الوصائف والمغنيات، ومحاسن الهدايا وضد ذلك، ومحاسن فلان وفلان ... إلى مقابح ومفاسق أخرى من لذائذ الحياة، وضد ذلك، على نحو ما تراه في كتبهم، وأبو العلاء إنما يعنى بغير ذلك من مشكلات الوجود والحياة، على ما أشرنا إليه في النوع السابق من تحسين الكلام.

فإذا ما كانت هذه الجرأة الأدبية في صنعة الخطابة قد أثرت في فن أبي العلاء، فإن هذه القدرة لا تكفي سببا لتعليل تقابل أقواله فيما تقابلت فيه من دقيق جليل وهام عظيم، ليس مما يعنى الأدباء به، ويكدون له في أدبهم وفنهم.

Halaman tidak diketahui