وهي جارية سارة التي وهبها لها ملك مصر فرعون، فوهبتها سارة لإبراهيم ﵇ فحملت بإسماعيل ﵇ وولدته سنة ثلاثة آلاف وأربعمائة من هبوط آدم في عر فريدون، وكانت بين الرملة وإيلياء، وسرن سارة بها وأوحي إلى إبراهيم بالسفر بها مع إسماعيل إلى الحجاز، فهاجر بها إبراهيم إلى مكة، وذكر في "المعالم": قال ابن عباس ﵄: أول من اتخذ المناطق من النساء هاجر أم إسماعيل، اتخذت منطقًا عند سفرها إلى الحجاز، ثم هاجر بها إبراهيم ﵇ إلى مكة ومعها إسماعيل ﵇ ترضعه، فوضعها عند البيت وليس في مكة أحد ولا ماء، وترك عندهم جرابًا فيه تمر وسقاء فيه ماء. ثم عاد إبراهيم ﵇ منطلقًا فتبعته هاجر وقالت: أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فلم يجبها. وقالت ذلك مرارًا وهو لا يلتفت إليها. فقالت له: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذًا لا يضيعنا. ثم رجعت وجعلت ترضع إسماعيل ﵇ وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش إسماعيل ﵇ فانطلقت إلى الصفا تنظر هل ترى من أحد، فلم تر، فعادت إلى الوادي، ثم سارت إلى المروة. وفعلت ذلك سبع مرات، ولما أشرفت على المروة، سمعت صوتًا، فقالت: صه: ثم سمعت صوتًا فقالت: قد سمعت إن كان عندك غواث، فعادت، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو بجناحه حتى ظهر الماء، فجعلت هاجر تحوضه. قال ﷺ: "يرحمُ اللهُ أمّ إسماعيل لوْ تركتْ زمزم". وقال ﷺ: "لوْ لمْ تغرفْ منَ الماءِ لكانتْ زمزمُ عينًا معينًا فشربتْ وأرضعتْ إسماعيل". فقال لها الملك: لا تخافا الضيعة، فإن هاهنا بيتًا يبنيه هذا الغلام وأبوه. فأقامت إلى أن قدمت عرب جرهم ونزلوا عندها، وكبر إسماعيل ﵇ وتزوج امرأة من جرهم، وتعلم العربية، وماتت أمه هاجر.
وذكر في "المصابيح"، حديث إبراهيم ﵇ وسارة لما وهبها هاجر. فقال أبو هريرة ﵁ في حق هاجر: تلك أمكم يا بني ماء السماء. وأراد بماء السماء، يعني العرب.
وذكر في كتاب "كشف الأسرار" قوله ﷺ: "لولا تحويطُ هاجر وتحريصها على زمزم حين اتَّبعها جبرائيلُ، وعندَ نزولِ جرهم لكانتْ زمزمُ عينا معينًا".
وذكر بعضهم قوله ﷺ: "ماءُ زمزمٍ لما شربَ لهُ، فمنْ شربهُ على نيَّةِ قضاءِ حاجةٍ أو شفاءٍ منْ مرضٍ، أعطاه الله تعالى". وكان الذبح في حياة هاجر وقصته مشهورة: والذبيح إسماعيل ﵇ لقوله ﷺ: "أنا ابنُ الذَّبيحين". وهذا هو الأصح ومعنى قوله ﷺ: "أنا ابنُ الذَّبيحين". أراد به إسماعيل ﵇ ووالده عبد الله، فإن جده عبد المطلب نذر لله تعالى إن [بلغ] ولده عشرة بنين ليذبحن أحدهم قربانًا لله، وأبو طالب، وحجل، والزبير والحارث وأبو لهب، والمقدم، والفيداق، فملا تكاملوا عزم على ذبح أحدهم، فسار إلى الكاهن وأخبره بما نذر، فأمره أن يلقي عليهم قرعة ففعل، ووقعت القرعة على عبد الله والد النبي ﷺ فوضع عشرة جمال، وألقى القرعة، فوقعت أيضًا على عبد الله، فما زال يزيد الجمال حتى بلغت مائة جمل، فوقعت القرعة على الجمال، فنحرها عبد المطلب فداءً لولده عبد الله، وتركها في البر طعامًا للخلائق والطيور، ولهذا أشار ﷺ بقوله: "أنا ابنُ الذَّبيحين". وهذا بخلاف من قال: الذبيح إسحاق ﵇ وتوفيت هاجر في حياة إسماعيل ﵇.
[٤]
يوحانذ بنت لاوي بن يعقوب ﵇
1 / 3