تقول: إن ساسين عاتب علي أيضا، فما سبب هذا العتب يا ترى؟ يقول: إنني لم أذكر ولده، فهذا غير ممكن. أما قولك عن المرحوم نخلة أبي ضاهر أنه كان يكتب لزوجته ابنة خالتنا عتابا وقرادي وأشعار، ومن جملة ما كتب لها يذكرها عندما نام وإياها على سطح القبو، وتريد مني أن أعمل مثله، فأنا لا أقدر أن أكون مثل نخلة أبي ضاهر؛ لأن الله - والشكر له - لم يخلقني مثله. أما طلبك كي تقف على أحوال أقاربك، فهذا بمحله، وقد كتبت لك ولساسين وللجميع عن كل شيء، وكان يجب أن تصبر حتى تصل التحارير التالية الواضحة. أما تهديدك لي بأنك تقطع عنى المكاتبة إن لم أكتب لك عن كل شيء، وتكلف بذلك إنسانا أجنبيا وتتكل عليه، فأنا أقول لك: لا فرق عندي كلفت غريبا أو قريبا، فواجباتي عملتها، والله لا يضيع أجر المحسنين؛ فإن ضاع الجميل عند العبد فعنده لا يضيع.
بشرتني بزواج عزيزي عبد الأحد، فعلى قبالنا وقبالك يا أنطون يا أبرص. إن تحريرك يدل على إخلاصك، فهل أنت مخلص يا ترى؟ فلو كنت مخلصا كنت بادرت لإرسال الدراهم بدون تردد، ولكنك متردد ولا أعلم لماذا، فقل لي: لماذا؟ فالوقت ليس وقت تأخير؛ فكن ذا رأي ولا تتبع آراء البشر.
عتبت علي وعتبت عليك، فما مضى قد مضى. إخوتك بخير، وابن عمك طنوس أيضا، والدي وأخي وأختي يهدونك السلام. أخونا أيوب تكلل من شهر ونصف على ابنة فارس طنوس. لم يمت أحد، ولم يجد عندنا شيء جديد.
لكي تعلم مقدار الجوع اسمع هذه الفاجعة، في م ... يوجد رجل اسمه أ. ط من جوعه في أيام الحرب ذبح ولده وأكل لحمه، ثم ذبح ولده الثاني وعمله قورما، ثم ذبح حماته - واسمها هندية - لأنها كانت ناصحة، فعلمت الحكومة بأمره وسجنته في البترون، ومات بالحمى في الحبس. أتصدق؟
وكفى بذلك برهانا على المجاعة وعظمها. (سرا) كيف مات المرحوم أخوكم إلياس؟ بعد موت المرحوم ابن عمنا، بقي إلياس مدة يكاري على الدابة، نرسله إلى تنورين وبشري لإحضار البطاطا والحنطة، وإلى نهر إبراهيم ونهر الكلب لاستحضار القلقاس والأغلال، وبقينا على تلك الخطة مدة إلى أن توجه مرة لجهة الهري لاستحضار الليمون، فيظهر أنه رأى سمعانية ابنة يوسف أندراوس، وهو - لا أخفي عنكم - كان مولعا بها على أيام المرحوم والدكم، فرغبته بالحضور لشكا، فتوجه هو وتوفة إلى هناك، وبعد أسبوع مرض بالحمى؛ لأنها كانت كثيرة في تلك الجهات ومات، فرجعت توفة وحدها. وكانت الضربة عظيمة علي جدا جدا، وعند مجيء توفة توجهت والدتي لسؤالها عن إلياس؛ لأنه كان بلغنا أنه مريض، فأخبرتها بموته فتفجعت وبقيت كذلك إلى أن مرضت بالحمى وماتت، وكنا قد استحضرنا لها واكيم بك، فحكم أن المرض انتقل إليها بالعدوى من شقيقتكم توفة. وبعد مدة مرضت توفة بالحمى، فعالجناها وشفيت. أما أمنا فماتت كما ذكرت لكم، فلا تخبر بهذا إلا والدتك فقط، والخاطر لك. هي الحقيقة كتبتها، فاسأل عنها من تريد. أما روحانا فمات بمرض داخلي في بطنه، ووالدكم مات بالإسهال الذي عقبته سكتة وشلل، وحكم واكيم أنه هواء أصفر. أعاضنا الله بطول بقاك يا عزيزي.
نموذج من خط المؤلف سنة 1919.
أخي أنطون، إن كل أقاربي الذين لهم أهل في أميركا يعيشون أحسن عيشة، وأحسن كسوة، وأحسن أحذية، بينما الناس جياع عراة حفاة، ولا تعربوا أحدا، فعيشتهم أحسن من الجميع حتى أصحاب التركات الكبيرة. وكل هذا حبا بكم، أيها الأعزاء، لأنكم غياب. تطلب مني أن أكتب لك عن كل شيء جرى في لبنان، وأحوال عين كفاع تقتضي لها مجلدات كبيرة. إن شاء الله كل مرة نكتب لك شيئا منها؛ لأننا لا نقدر على كتابتها دفعة واحدة. هذا ما لزم، ولا تصنع هذه المرة كما صنعت المرة الماضية بكتابتك عن مسألة بيت بشارة سليمان، فأنا لا أحب مخاصمة الناس، وأنتم تطلبون أن نخبركم عن كل شيء؛ فلكي نخبركم احفظوا السر، ودمتم.
أشكرك على ما تكرمت، فمن العب للجيبة.
عين كفاع
4 / 3 / 1919
Halaman tidak diketahui