عدة رسائل في مسائل فقهية
للشيخ: حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الرسالة الأولى
من حمد بن ناصر بن معمر إلى جناب الأخ المكرم جمعان بن ناصر -حفظه الله تعالى- آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وموجب الخط إبلاغ السلام. وبعد:
فالخط الشريف وصل -أوصلك الله إلى رضوانه-، وما ذكر جنابك صار لدَى محبك معلوما، ومنه طرف المسائل التي تسأل عنها، وتطلب جوابها.
(حكم اشترط طلاق الضرة في عقد النكاح)
(فالمسألة الأولى) فيمن شرطت على زوجها عند العقد طلاق ضرتها، فهذا الشرط اختلف العلماء فيه؛ هل هو صحيح أم فاسد، فذهب الحنابلة إلى صحته، فيجب عندهم الوفاء، وخيار الفسخ لها إذا لم يفِ. وذهب كثير من الفقهاء إلى أنه شرط. باطل للأحاديث الصحيحة في النهي عن ذلك، والنهي يقتضي الفساد، على هذا يبطل الشرط ويصح النكاح؛ لأن هذا ليس من الشروط المبطلة للعقد، كنكاح الشغار والتحليل والمتعة.
1 / 32
(الشروطُ الصحيحة في عقدِ النِّكاح)
(وأما المسألة الثانية) فيمن شرطت على الزوج عند العقد شرطا صحيحا، ورضي بذلك، وقالت: إنْ فعلْتَ كذا فهو طلاقي. ثم لم يفِ لها، بل خالف ما شرطت عليه، فهذا الشرط -إن كان من الشروط الصحيحة- فلها الفسخ إن لم يفِ به. وإن لم تقل: "فهو طلاقي" فلها إلغاؤه وإبطاله، فإذا أسقطته بعد البينونة سقط، وجاز له أن يرجع إليها بنكاح جديد. وإن كان الإسقاط قبل البينونة سقط والنكاح بحاله، وليس لها مطالبته بذلك بعد إسقاطه.
(حكمُ تَراضِي الزوجين علَى تعليقِ الطَّلاقِ بالتزَوُّجِ عَلَيْها)
(وأما المسألة الثالثة) فيمن تشاجر هو وزوجته، ثم تراضيا على شروط صحيحة، كقوله: إن تزوجت عليك فهو طلاقك. ثم قالت له: أعد اللفظ. فأعاده مرتين أو ثلاثا، هل يثبت هذا الشرط، وإن كان بعد عقد النكاح؟ وهل يقع عليه الطلاق؟ وهل يفرق بين الحرفين فيما إذا قال: إن تزوجت فأنت طالق، أو إذا تزوجت؟
فنقول: هذا الشرط وهو تعليق الطلاق على التزوج، شرطٌ لازم، وتعليقه صحيح، فمتى تزوج طلقت. ثم ننظر في نيته حال تكراره لفظ الطلاق: فإنْ قصد بالتكرار إفهامها أو التأكيد لم تطلق إلا واحدة، وله أن يراجعها بعد التزوج بالأخرى، لأن هذا الشرط لم يوجد عند العقد، بل حدث بعد ذلك. فإنْ يقصد بالتكرار الإفهام ولا التأكيد طُلِّقَتْ ما نواه. فإن لم يكن له نية ففيه خلاف، والأشهر أنها تُطلَّق بعدد التكرار، وبعضهم يقول: لا تُطلَّق إلا واحدة.
وأما التفرقة بين إن الشرطية وإذا، فالعامة لا يفرقون بينهما، فيحكم
1 / 33
عليهم بلغتهم على قصدهم ونيتهم، مع أن في مثل هذه الصورة يقع الطلاق بكل حال.
(طَلاقُ غير البالغ)
(وأما المسألة الرابعة) وهي طلاق الصبي الذي لم يبلغ، فقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب مالك وطائفة من العلماء إلى أنه لا يقع طلاقه حتى يبلغ، وذهب الإمام أحمد -في المشهور عنه- والشافعي وطائفة من العلماء إلى أنه إذا عقل، وعلم أن زوجته تبين منه بذلك -خصوصا إذا تجاوز العشر- فإنه يقع طلاقه.
أحكام زيادةِ الوكيلِ بالتطليق على الواحدة
(المسألة الخامسة) فيمن وكَّل وكيلا في طلاق زوجته، هل للوكيل أن يزيد على طلقة إذا كان الموكل لم يأمره بكثير ولا قليل؟ وهل إذا طلق ثلاثا تقع أم لا؟ وهل يعتبر إنكار الموكل ذلك؟
فهذه المسألة الراجح فيها أن الوكيل لا يزيد على واحدة لأن الزيادة خلاف السنة، فإن زاد لم يقع إلا واحدة، إلا أن يأمره الموكل بذلك، فإن لم يأمره بذلك ولم يثبت ببينة ولا بإقرار الموكل، لم يثبت إلا طلاق السنة، وهي الطلقة الواحدة.
(حكمُ تكرارِ لفظِ التطليقِ في الخُلْع)
(وأما المسألة السادسة) فيمن بذلت لزوجها عوضا، كمخالعة الناس اليوم على أن يطلقها، فقبل العوض ثم قال: أنت طالق. ثم قال: أنت طالق. ثم قال: أنت طالق. ثلاث مرات أو أكثر، هل تبين منه باللفظة الأولى، ولم تلحقها البواقي عند من يقول: إن المختلعة لا يلحقها طلاق؟
فنقول: الذي ذكره
1 / 34
الفقهاء -رحمهم الله تعالى- أنها تبين بالأولى، ولا يلحقها ما بعدها لأنها بانت بالجملة الأولى، فإذا لحقها جملة ثانية وثالثة لم يصادف ذلك محلا، وأما عند من يقول: إن المختلعة يلحقها الطلاق كما ذكر كثير من التابعين، فالطلاق عندهم لاحق.
(حُكْمُ مَن أَخَذَ عِوَضَ الخُلْعِ ولَمْ يَنْطِقْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى إِنْشَائِهِ)
(وأما المسألة السابعة) فيمن خالع زوجته بأن بذلت له العوض وقبله، ولم يتلفظ بخلع ولا طلاق ولا فسخ، هل تبين بمجرد أخذ العوض؟
فالذي عليه الجمهور: أنه لا بد من اللفظ، لقوله ﷺ: "اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة" ١.
(تَعليقُ الطَّلاق)
(وأما المسألة الثامنة) فيمن قال لزوجتهِ: إذا جاءني حقي فأنت طالق، وإن نزلت على أهلك فأنت طالق. فأقامت مدة لم تعطه، ولم تنزل على أهلها، هل الشرط لازم أم لهم إبطاله؟
فنقول: إذا علق طلاقها على ذلك فالشرط لازم، والتعليق ثابت ولو اتفقا على إبطاله، وفي الحديث: "ثلاث هزلهن جد، وجدهن جد" ٢ الحديث.
(الوصيَّةُ بالأُضحيةِ وأكْلُ ورثةِ المُوصِي منها)
(المسألة التاسعة) فيمن أوصى عند موته بأضحية، هل للموصى إليه أو غيره من ورثة الميت الأكل منها أم لا؟
فالذي يظهر لي من كلام العلماء أنه لا بأس بذلك، وإنما اختلفوا في أضحية اليتيم.
_________
١ البخاري: الطلاق (٥٢٧٣)، والنسائي: الطلاق (٣٤٦٣)، وابن ماجه: الطلاق (٢٠٥٦) .
٢ الترمذي: الطلاق (١١٨٤)، وأبو داود: الطلاق (٢١٩٤)، وابن ماجه: الطلاق (٢٠٣٩) .
1 / 35
(المفاضلة بين التضحية عن الميت والتصدق بثمنها)
(وأما المسألة العاشرة) هل الأضحية عن الميت أفضل أم الصدقة بثمنها؟
فهذه المسألة اختلف العلماء فيها، فذهب الحنابلة وكثير من الفقهاء إلى أن ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها، وهو اختيار الشيخ تقي الدين ﵀.
وذهب بعضهم إلى أن الصدقة بثمنها أفضل، وهذا القول قوي في النظر؛ وذلك لأن التضحية عن الميت لم تكن معروفة عند السلف، إلا أنه ورد عن علي بن أبي طالب ﵁ أنه كان يضحي عن النبي ﷺ، ويذكر أن رسول الله ﷺ أوصاه بذلك.
والحديث ليس في الصحاح، وبعض أهل العلم تكلم فيه، وبعض الفقهاء لما سمعه أخذ بظاهره، وقال: لا يضحي عن الميت إلا أن يوصي بذلك، فإن لم يوصِ فلا يذبح عنه، بل يتصدق بثمنها، فإذا كان هذا صورة المسألة، فالأمر في ذلك واسع إن شاء الله تعالى.
(حكمُ من ضحَّى عن غيره قبل نفسه أو وفاء نذره)
(وأما المسألة الحادية عشرة): هل له أن يضحي عن غيره قبل أن يضحي لنفسه؟ وهل له أن يضحي وعليه نذر قبل أن يوفي بنذره؟
فمسألة التضحية عن الغير قبل أن يضحي لنفسه فلا أعلم فيها بأسا، وإنما المنع فيمن عليه حجة الإسلام، فليس له أن يحج عن غيره قبل أن يحج فريضة الإسلام.
وأما تقديم الأضحية على النذر فالواجب يقدم على النافلة، فإذا كان المنذور أضحية ذبحها قبل أضحية التطوع، فإن تطوع وترك النذر الواجب وجب عليه أن يذبح الواجب أيضا، وأما إذا أراد أن يذبحهما جميعا لكنه
1 / 36
قدم التطوع على النذر، فلا أعلم في هذا منعا.
(التفريقُ بين الأمِ وولدها الصغير وبين الأخوةِ في البيع)
(وأما المسألة الثانية عشرة) وهي التفريق بين الوالدة وولدها قبل البلوغ، وكذلك بين الأخوة في البيع، فأما قبل البلوغ فلا يجوز التفريق، وأما بعد البلوغ ففيه خلاف، والمشهور عن أحمد وكثير من الفقهاء أنه لا يجوز، لحديث: "من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة" ١٢، وكذلك حديث علي في التفرقة بين الأخوة، وفيه أن النبي ﷺ قال: "رده، رده" ٣.
(أبان زوجا من أربع ليس له التزوج بغيرها قبل انقضاء عدتها)
(وأما المسألة الثالثة عشرة) فيمن معه أربع فطلق واحدة وأبانها، هل له أن يتزوج في مكانها أخرى، وإن كانت المطلقة لم تعتد لأنها بائن ليس له عليها رجعة، أم لا يجوز ذلك حتى تعتد المطلقة؟ فالذي نص عليه العلماء أن ذلك لا يجوز، بل لا بد من انقضاء العدة، ولا يجوز له أن يجمع ماءه في رحم خمس نسوة. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
_________
١ الترمذي: السير (١٥٦٦)، وأحمد (٥/٤١٢،٥/٤١٤)، والدارمي: السير (٢٤٧٩) .
٢ رواه أحمد والترمذي والحاكم عن أبي أيوب وصحح.
٣ الترمذي: البيوع (١٢٨٤)، وابن ماجه: التجارات (٢٢٤٩)، وأحمد (١/١٠٢) .
1 / 37
الرسالة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
من حمد بن ناصر بن معمر إلى جناب الأخ المكرم جمعان بن ناصر -سلمه الله تعالى-، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والمسائل وصلت، وهذا جوابها:
(طلب إمام المسجد المعاونة من الفيء أو الزكاة)
أما سؤال إمام المسجد المعاونة من الفيء والزكاة، فالسؤال من حيث هو مذموم إلا في حال الاضطرار، لكن إن كان السؤال من الفيء فهو موافق، لأن الفيء للمسلمين غنيهم وفقيرهم، وما من أحد من المسلمين إلا وله فيه نصيب، فإذا سأل الإنسان نصيبه من الفيء لم ينكر عليه.
وأما إن كان السؤال من الزكاة، فإن كان السائل غنيا فهو حرام، ولا تحل له الزكاة، بل لو جاءته من غير سؤال لم تحل له، إلا إن كان من الخمسة المذكورين في الحديث؛ وذلك لأن الله تعالى قسمها بنفسه، ولم يرض فيها بقسم نبي ولا غيره.
حكم القيء
(فروع في العبادات)
وأما القيء فالمشهور أنه نجس، وأما نقض الوضوء به ففيه خلاف، والمشهور أنه ينقض إذا كان كثيرا، ولا ينقض اليسير منه. وذهب مالك والشافعي وغيرهما إلى أنه لا ينقض الوضوء ولو كثر، لكن يستحب الوضوء، وهذا اختيار الشيخ تقي الدين.
الخروج من الصلاة لأجل الخارج
وأما الخروج من الصلاة لأجل الخارج اليسير من القيء أو الدم
1 / 38
فإذا كان يسيرا لم يقطع الصلاة، ولا إعادة عليه، لأنه روي عن الصحابة نحو ذلك، فابن أبي أوفى بزق دما ثم قام فصلى. وابن عمر عصر بثرة فخرج دم، فصلى ولم يتوضأ.
إخراج الإنسان زكاته أو بعضها بنفسه
وأما إخراج الإنسان زكاته أو بعضها بنفسه، فذكر أهل العلم أنه لا يجوز أن يخرجها ولا بعضها إن كان الإمام عدلا يضعها في أهلها، (بل) يجب دفعها إليه.
قضاء الفوائت
وأما قضاء الفوائت، فالمشهور قضاء الفوائت على الفور مرتبا، قلت الفوائت أو كثرت.
وإذا صلى الحاضرة قبل الفائتة، فإن كان ناسيا للفائتة سقط الترتيب، ويصلي الفائتة، ولا يقضي الحاضرة، لأن الترتيب يسقط بالنسيان.
الصلاة على الميت
وأما الصلاة على الميت فإن أوصى الميت بأن يصلي عليه رجل معين فهو أحق من غيره، ولا يقوم أحد في جنب الإمام، بل يقف الإمام وحده إلا أن يكون المكان ضيقا، بحيث لا يحصل له الوقوف في الصف، حينئذ يقف في جنب الإمام للحاجة.
العقد على المطلقة في العدة
وأما المطلقة فلا يجوز العقد عليها في العدة بإجماع أهل العلم، بل لا يجوز التصريح في خطبتها، فإن كانت رجعية حرم التعريض أيضا، لأنها زوجة ما دامت في العدة، فإن عقد عليها فالنكاح باطل، ولا يحتاج إلى طلاق، لأنه باطل إجماعا، بل يفرق بينهما. فإذا اعتدت فهو خاطب من الخطاب، وعند مالك أنها تحرم عليه أبدا؛ وهو إحدى الروايتين عن ابن عمر، والأول قول علي، وهو المشهور عن أحمد، والجديد من قولي الشافعي.
المطلقة التي مات زوجها
وأما المطلقة إذا مات زوجها وهي في العدة، فإن كانت رجعية استأنفت
1 / 39
عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا بلا خلاف بين العلماء، وإن كانت بائنا بنت على عدة الطلاق، إلا أن يطلقها في مرض موته، فتعتد أطول الأجلين من عدة الوفاة أو ثلاثة قروء. وعند مالك والشافعي أنها تبني على عدة الطلاق؛ لأنها بائن وليست بزوجة، كما لو طلقها في الصحة.
فأما إذا كان الطلاق البائن في الصحة، فإنها تبني على عدة الطلاق عند الأئمة الثلاثة، وعند أبي حنيفة تعتد أطول الأجلين.
طلق زوجته واختل عقله
وأما مسألة الذي طلق زوجته واختل عقله، فإن كان حال الطلاق ثابت العقل وطلق مختارا، فالطلاق واقع، فإن كانت آخر ثلاث تطليقات لم تحل له إلا بعد زوج وإصابة، ولو اختل عقله بعد ذلك، ولو آل به الأمر إلى الجنون.
وإن كان الطلاق الذي وقع بكلمة واحدة جمع فيها الطلاق، فكذلك عند الأئمة الأربعة، وهو الذي يفتى به عندنا. وعند الشيخ تقي الدين وابن القيم أن طلاق الثلاث بكلمة واحدة مطلب يحسب طلقة واحدة، وحينئذ فله رجعتها، والعمل على كلام الجمهور.
الدعاء عند ختم القرآن
وأما الدعاء عند ختم القرآن، فروي عن أنس ﵁ أنه كان يجمع أهله وولده، ويدعو عند ختم القرآن.
وروي عن طائفة من السلف، وهو قول غير واحد من الفقهاء. وأما تعيين الدعاء فلم يثبت فيه دعاء مخصوص، ولهذا لم يستحبه بعض الفقهاء؛ قال: لأنه لم يرد فيه سنة عن رسول الله ﷺ.
التكبير في آخر كل سورة من سورة الضحى
وأما التكبير في آخر كل سورة من سورة الضحى إلى آخر القرآن، ففيه خلاف، ولم يستحبه الشيخ تقي الدين إلا لمن يقرأ بقراءة ابن كثير. وأما من قرأ بقراءة عاصم التي هي غالب قراءة الناس اليوم فلا.
الوقف على المسجد
وأما الرجل الذي وقف على المسجد بعض أملاكه، فإن عين القائمين
1 / 40
أو الإمام أو المؤذن تعين ما عينه الواقف من الجهات، فإن لم يعين جهة فالوقف على المسجد يدخل فيه الإمام والمؤذن والقيم، وكذا عمارته كتطيين سطحه، وإبدال خشبه لتكسير فيه، ونحو ذلك. والله ﷾ أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
رسالة ثالثة
المنكر الذي يجب إنكاره
بسم الله الرحمن الرحيم
من حمد بن ناصر إلى الأخ جمعان، رزقه الله العلم النافع والإيمان، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
الخط وصل -أوصلك الله إلى رضوانه-، والمسائل وصلت، وهذا جوابها واصلك إن شاء الله تعالى.
(المسألة الأولى) في المنكر الذي يجب إنكاره، هل يسقط الإنكار إذا بلغ الأمير أم لا؟
فاعلم أن إنكار المنكر يجب بحسب الاستطاعة، كما قال النبي ﷺ: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" ١؛ وحينئذ إذا وقع المنكر وبلغ الأمير فلم يغيره، لم يسقط إنكاره، بل ينكره بحسب الاستطاعة؛ لكن إن خاف حصول منكر أعظم سقط الإنكار، وأنكر بقلبه.
وقد نص العلماء على أن المنكر إذا لم يحصل إنكاره إلا بحصول منكر أعظم منه أنه لا ينبغي؛ وذلك لأن مبنى الشريعة على تحصيل المصالح وتقليل المفاسد، وفي الحديث: "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي" ٢.
العدل في عطية الأولاد
(وأما مسألة العطية) فلا خلاف بين أهل العلم في استحباب التسوية
_________
١ مسلم: الإيمان (٤٩)، والترمذي: الفتن (٢١٧٢)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (٥٠٠٨)، وأبو داود: الصلاة (١١٤٠)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (١٢٧٥)، وأحمد (٣/٢٠،٣/٤٩،٣/٥٤) .
٢ الترمذي: الزكاة (٦٥٢)، وأبو داود: الزكاة (١٦٣٤)، وأحمد (٢/١٩٢)، والدارمي: الزكاة (١٦٣٩) .
1 / 41
بين الأولاد، وكراهة التفضيل، لكن اختلفوا في صفة التسوية، فالمشهور عن أحمد أن المستحب أن يقسم بينهم على حسب قسمة الله في الميراث، ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ ١ وعند أبي حنيفة ومالك والشافعي أنه يعطى الأنثى مثل ما يعطي الذكر.
رسالة رابعة كنايات الطلاق
بسم الله الرحمن الرحيم
من حمد بن ناصر إلى الأخ جمعان -حفظه الله تعالى- آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
الخط وصل -أوصلك الله إلى رضوانه-، وسر الخاطر سؤالك عما أشكل عليك، رزقنا الله وإياك العلم النافع والعمل الصالح. فأما ما سألت عنه من استعمال كنايات الطلاق، فالذي عليه أكثر العلماء أن الكنايات لا يقع بها الطلاق إلا مع النية، فإذا تكلم الزوج بالكناية وقال: لم أرد طلاقك ولم أنوه، ولم يتكلم بذلك في حال الغضب وسؤالها الطلاق، فهذا يقبل قوله، ولا يقع به طلاق. وأما إن تكلم بذلك في حال الغضب فهذا مما اختلف الفقهاء فيه. فقال بعضهم: يقبل قوله إنه لم يرد طلاقا ولم ينوه. وقال بعضهم: لا يقبل قوله في ظاهر الحكم لأجل القرينة الدالة على إرادة الطلاق.
وبعض أهل العلم يفرق بين الكنايات، ويقول: الكنايات التي يكثر استعمالها في الطلاق، ويعبرون أن من تلفظ بها فإنما يريد الطلاق، فهذا لا يقبل قوله. وأما الكنايات التي تستعمل في عرف أهل البلد في الطلاق وفي غيره، فهذا يقبل أنه ما أراد الطلاق، بل لو تلفظ بذلك وقال:
_________
١ سورة النساء آية: ١١.
1 / 42
لم أرد الطلاق ولا غيره، لم تطلق إلا بالنية إذا كان الطلاق لفظا يستعمل في الطلاق وفي غيره.
تكرير لفظ الطلاق
(وأما المسألة الثانية): إذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. فهذا إن نوى بالتكرار التأكيد أو إفهامها، لم يقع إلا واحدة. فإن نوى به طلاقا ثلاثا وقعت ثلاثا عند الجمهور. وأما إذا طلق بالنية، وقال: لم أرد به التأكيد والإفهام، ولا إيقاع ثلاث، بل عزبت نيته، فهذا محل الخلاف، فبعض أهل العلم يقول: يقع واحدة، إلا أن ينوي طلاق ثلاث فتقع.
(وأما قولك): إذا توقف المفتي عن الإفتاء في الكنايات، هل يكون داخلا في الكتمان أم لا؟
فاعلم أن الذي يتناوله الوعيد هو من عنده علم من الله ورسوله، فيُسأل عنه فيكتمه. وأما من أشكل عليه الحكم ولم يتبين له حكم الله ورسوله، فهذا لا حرج عليه إذا توقف، ولو عرف اختلاف العلماء ولم يعلم الراجح من القولين. وأحمد ﵀ وغيره من العلماء يتوقفون كثيرا في مسائل، مع معرفتهم بكلام العلماء قبلهم في تلك المسائل إذا لم يتبين لهم الصواب. وأحمد يتوقف عن الإفتاء في كنايات الطلاق في أكثر أجوبته، وبعض العلماء لا يفتي في مسائل الطلاق بالكلية؛ لعظم خطرها.
والواجب على المفتي أن يراقب الله ويخشاه، ويعلم أنه قد عرض نفسه للحكم بين يدي الله وبين عباده، فيما أحل الله وحرم عليهم، فلا يتكلم إلا بعلم، وما أشكل عليه فليكله إلى عالمه.
دم المرأة الحامل في غير عادتها
(وأما مسألة الحامل) إذا رأت الدم فهذا ينظر فيه، وفي حال عادة المرأة، فإن كان ذلك ليس بعادة لها إذا حملت فهذا لا تلتفت إليه، بل تصلي فيه وتصوم، ويكون حكمها حكم المستحاضة، وليس في هذا اختلاف. وإنما الاختلاف فيما إذا كان عادة المرأة أنها تحيض وتطهر في عادة الطهر، فهذا
1 / 43
الذي اختلف فيه العلماء، والراجح في الدليل أنه حيض إذا كان على ما وصفنا، ولكن قليل الوقوع، وأكثر الواقع على متكرره وبين من ليس لها عادة، أو يضرب عليها الدم، فإنه يشتبه على كثير من الطلبة.
تزويج اليتيمة
(وأما مسألة اليتيمة) إذا طلبت الزوج، فيجوز لوليها تزويجها وإن لم تبلغ، إذا كانت لها تسع سنين، ولكن لا يجبرها، ولا يزوجها إلا برضائها إذا كانت يتيمة. وأما الأب فيجوز له إجبار الصغيرة التي لم تبلغ، والبلوغ يحصل بالحيض، ونبات الشعر الخشن حول القبل.
لحن الإمام في الفاتحة
(وأما مسألة الأمي) فالأمي الذي لا يحسن الفاتحة، أو يلحن فيها لحنا يغير المعنى، وأما إذا كان يحسن الفاتحة ولا يحيل ألفاظها عن معانيها، فهذا لا يسمى أميا. ولكن أحق الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله، فإن وجد القارئ قدم على غيره. وأما إذا أقيمت الصلاة، ثم جاء القارئ وهم يصلون، جاز للقارئ أن يصلي معهم إذا كان الإمام يحسن قراءة الفاتحة، ولا يلحن فيها لحنا يحيل المعنى. وأما الذي يلحن فيها لحنا يحيل المعنى فهذا هو الأمي، لا يجوز أن يصلي إلا بمثله، فلا يؤم أحدا يحسن الفاتحة.
تعيين الإمام
(وأما مسألة تعيين الإمام) كما هو الواقع في المساجد التي لها أئمة راتبون، فهذا إذا بان له أنه غير إمامه الراتب صحت صلاته لأن قصده الصلاة مع الجماعة، وليس له قصد في تعيين الإمام، والله أعلم.
1 / 44
رسالة خامسة: استخدام الدابة بجزء من الثمرة
بسم الله الرحمن الرحيم
من حمد بن ناصر إلى الأخ جمعان بن ناصر -حفظه الله تعالى-، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: الخط وصل -أوصلك الله إلى رضوانه- وكذلك السؤال وصورته.
ما قول العلماء فيمن دفع دابته إلى آخر يسقي عليها زرعا بجزء من الثمرة، سواء كان الدفع قبل وجود الزرع أو بعد ما اخضر الزرع، وسواء كان مدة السقي معلومة أو مجهولة، مثل إلى أن تهزل أو تعجف، هل هذا جائز يشبه دفع الدابة إلى من يعمل عليها ببعض مغلها؟ أم هذا ليس بصحيح لعدم معرفة الأجرة والجهل بالمدة إذ لم توقت؟
فنقول: هذه المسألة لم أقف عليها منصوصة في كلام العلماء، ولكنهم نصوا على ما يؤخذ منه حكم هذه المسألة؛ فمن ذلك أنهم ذكروا أن من شرط صحة الإجارة معرفة قدر الأجرة، ومعرفة قدر المدة. قال في "المغني": يشترط في عوض الإجارة كونه معلوما لا نعلم فيه خلافا، انتهى.
ولكن هذه المسألة هل تلحق بمسائل الإجارة وتعطى أحكامها، أم تلحق بمسائل الشركة وتعطى أحكامها، مثل المساقاة والمزارعة والمضاربة، وغير ذلك من مسائل المشاركات؟
فإن قلنا: إنها بمسائل الإجارة أشبه، فالإجارة لا تصح إلا بأجرة معلومة على مدة معلومة؛ ولهذا اختلف العلماء في جواز إجارة الأرض ببعض ما يخرج منها كثلث أو ربع، فمنعه أبو حنيفة والشافعي وغيرهما، وعللوه بأن العوض مجهول، فلا تصح الإجارة بعوض مجهول، وأجازه الإمام أحمد، فمن أصحابه من
1 / 45
قال: هو إجارة. ومنهم من قال: بل هو مزارعة بلفظ الإجارة. قال في "الإنصاف": والصحيح من المذهب أن هذه إجارة؛ لأن الإجارة تصح بجزء مشاع معلوم مما يخرج من الأرض المأجورة، وهو من مفردات المذهب. انتهى.
قال في "المغني": "إجارة الأرض بجزء مشاع مما يخرج منها، كنصف وثلث وربع، المنصوص عن أحمد جوازه، وهو قول أكثر الأصحاب. واختار أبو الخطاب أنها لا تصح، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وهو الصحيح -إن شاء الله-، لما تقدم من الأحاديث في النهي من غير معارض لها، ولأنها إجارة بعوض مجهول، فلم تصح كإجارتها بثلث ما يخرج من أرض أخرى، ولأنه لا نص في جوازها، ولا يمكن قياسها على المنصوص؛ فإن النصوص إنما وردت بالنهي عن إجارتها بذلك، ولا نعلم في تجويزها نصا.
والمنصوص جواز إجارة ذلك بذهب أو فضة أو شيء معلوم، فأما نص أحمد فيتعين حمله على المزارعة بلفظ الإجارة. انتهى.
وقال في "المغني" أيضا: قال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عن الرجل يدفع البقرة إلى رجل على أن يعلفها ويحفظها، وما ولدت من ولد (فهو) بينهما؟ قال: "أكره ذلك". وبه قال أبو حنيفة وأبو خيثمة، ولا أعلم فيه مخالفا؛ وذلك لأن العوض معدوم مجهول أيوجد أم لا، والأصل عدمه. انتهى.
وأما إن ألحقنا هذه المسألة المسؤول عنها بمسائل الشركة، وقلنا: هي بمسائل الشركة أشبه جرى فيها من اختلاف العلماء ما جرى في نظائرها.
وأنا أذكر لك بعض ما ذكر العلماء في هذا الباب: قال في "المغني": وإن دفع دابته إلى آخر ليعمل عليها، وما رزق الله بينهما نصفين أو ثلاثا أو كيفما شرط صح، نص عليه في رواية الأثرم ومحمد بن سعيد، ونقل عن الأوزاعي ما يدل على هذا، وكره ذلك الحسن والنخعي. وقال الشافعي وأبو ثور وابن
1 / 46
المنذر وأصحاب الرأي: لا يصح، والربح كله لرب المال، وللعامل أجرة مثله.
ولنا أنها عين نمت بالعمل عليها، فصح العقد عليها ببعض نمائها كالدراهم والدنانير، وكالشجر في المساقاة، والأرض في المزارعة، وقد أشار أحمد رحمه الله تعالى- إلى ما يدل على تشبيهه لمثل هذا بالمزارعة، فقال: لا بأس بالثوب يدفع بالثلث أو الربع، لحديث جابر: "أن النبي ﷺ أعطى خيبر على الشطر" ١.
وهذا يدل على أنه ظاهر في مثل هذا إلى الجواز، لشبهه بالمساقاة والمزارعة، لا إلى المضاربة ولا إلى الإجارة.
ونقل أبو داود عن أحمد فيمن يعطي فرسه على النصف من الغنيمة، أرجو أن لا يكون به بأس. ونقل أحمد بن سعيد فيمن دفع عبده إلى رجل يكتسب عليه، ويكون له ثلث ذلك أو ربعه فجائز، والوجه فيه ما ذكرناه في مسألة الدابة.
وإن دفع ثوبه إلى خياط ليفصله قميصا وله نصف ربحه بعمله جاز، نص عليه في رواية حرب. وإن دفع غزلا إلى رجل ينسجه ثوبا بثلث ثمنه أو ربعه جاز، نص عليه.
ولم يجز مالك وأبو حنيفة والشافعي شيئا من ذلك. وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: لا بأس بالثوب يدفع بالثلث والربع. وسئل: عن الرجل يعطي الثوب بالثلث ودرهم أو درهمين؟ قال: أكرهه؛ لأن هذا شيء لا يعرف الثلث إذا لم يكن معه شيء نراه جائزا؛ لحديث جابر "أن النبي ﷺ أعطى خيبر على الشطر" ٢.
قيل لأبي عبد الله: فإن كان النساج لا يرضى حتى يزاد على الثلث درهما؟ قال: فليجعل له ثلثا وعشر ثلث، أو نصف عشر وما أشبهه، انتهى ملخصا.
وقد نص أحمد أيضا على جواز دفع الثوب لمن يبيعه بثمن يقدر له، ويقول: ما زاد فهو لك. وقال في "الإنصاف": "ولو دفع عبده أو دابته إلى من يعمل بهما بجزء من الأجرة،
_________
١ البخاري: الإجارة (٢٢٨٦)، والترمذي: الأحكام (١٣٨٣)، وأبو داود: البيوع (٣٤٠٨)، وابن ماجه: الأحكام (٢٤٦٧)، وأحمد (٢/١٧،٢/٣٧) .
٢ البخاري: الإجارة (٢٢٨٦)، والترمذي: الأحكام (١٣٨٣)، وأبو داود: البيوع (٣٤٠٨)، وابن ماجه: الأحكام (٢٤٦٧)، وأحمد (٢/١٧،٢/٣٧) .
1 / 47
أو ثوبا يخيطه، أو غزلا ينسجه بجزء من ربحه جاز، نص عليه، وهو المذهب، جزم به ناظم "المفردات"، وهو منها.
وقال في "الحاوي الصغير": ومن استأجر من يجد نخله أو يحصد زرعه بجزء مشاع منه جاز نص عليه في رواية مهنا، وعنه لا يجوز وللعامل أجرة مثله.
ونقل مهنا في "الحصاد": "هو أحب إلي من المقاطعة، وعنه له دفع دابته أو نخله لمن يقوم به بجزء من نمائه، اختاره شيخ الإسلام والمذهب، لا لحصول نمائه من غير عمله، انتهى ملخصا.
وقال في "المغني": وإن اشترك ثلاثة من أحدهم الأرض، ومن الآخر البذر، ومن الآخر البقر، والعمل على أن ما رزق الله بينهم فعملوا، فهذا عقد فاسد نص عليه أحمد في رواية أبي داود ومهنا وأحمد بن القاسم، وبهذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي.
فعلى هذا يكون الزرع لصاحب البذر؛ لأنه نماء ماله، ولصاحبيه عليه أجرة مثلهما، انتهى.
وقال في موضع آخر: فإن اشترك ثلاثة من أحدهم الدابة، ومن آخر راوية، ومن الآخر العمل، على أن ما رزق الله بينهم، صح في قياس قول أحمد، فإنه قد نص في الدابة يدفعها إلى آخر يعمل عليها، على أن لهم الأجرة على الصحة، وهذا مثله.
وهكذا لو اشترك أربعة، من أحدهم دكان، ومن الآخر رحى، ومن آخر بغل، ومن آخر العمل على أن يطحنوا بذلك، فما رزق الله تعالى- بينهم صح، وكان بينهم على ما شرطوه. وقال القاضي: العقد فاسد في المسألتين جميعا. وهو ظاهر قول الشافعي، انتهى.
ومن تأمل ما نقلناه تبين له حكم مسألة السؤال، والله أعلم.
1 / 48
رسالة سادسة: عدة البائن إذا مات زوجها
بسم الله الرحمن الرحيم
من حمد بن ناصر إلى الأخ جمعان بن ناصر، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: وصل الخط، وصلك الله إلى رضوانه، وتسأل فيه عن مسائل:
(الأولى): المطلقة البائن إذا مات زوجها الذي أبانها وهي في العدة، فهذه إن كان زوجها طلقها في الصحة- فإنها تبني على عدة الطلاق، ولا تعتد للوفاة، كما لو لم يمت.
عدة المتوفى عنها وهي حامل
(الثانية): المتوفى عنها وهي حامل، هل هي في حداد ولو اعتدت أربعة أشهر وعشرا؟ فالأمر كذلك هي في حداد حتى تضع حملها.
العبد المملوك إذا سرق من حرز من غير مال سيده
(الثالثة): العبد المملوك إذا سرق من حرز من غير مال سيده، هل يجب عليه القطع؟ فالأمر كذلك، وأما سيده فلا يقطع بسرقة ماله.
المطلقة ثلاثا قبل الدخول بها
(الرابعة) فيمن طلق امرأته قبل أن يدخل بها ثلاثا، هل إذا بانت بالأولى تحل له بملاك جديد، أم تحرم عليه إلا بعد الزوج الثاني بعد أن يجامعها؟....١ ولا تحل للزوج الأول قبل جماع الزوج الثاني. وأما إن كان طلقها ثلاثا؛ واحدة بعد واحدة، فإنها تبين بالأولى، ولا يلحقها بقية الطلاق؛ لأن غير المدخول بها لا عدة عليها، ولا يلحقها الطلاق، فإذا بانت بالأولى حلت لزوجها بعقد ثان، وإن لم تتزوج غيره، وتبقى معه على طلقتين.
طلق زوجته تطليقتين بعد المسيس
(الخامسة) فيمن طلق زوجته تطليقتين بعد المسيس، ثم تزوجت
_________
١ الظاهر أن هذا آخر السؤال، وأن بدء الجواب بعده بالواو سهو.
1 / 49
لها زوجا ثانيا، وطلقها قبل أن يمسها، هل ترجع إلى الأول؟
فالأمر كذلك، ولا تأثير لهذا الزوج في حل العقد، لأنها حلال لزوجها قبله، فإذا اعتدت حلت لزوجها الأول بعقد جديد، فإن لم يكن خلا بها فلا عدة، ويعقد عليها الثاني في الحال.
وطء الصبي الصبية
(السادسة): إذا وطئ الصبي الصبية، هل يلزمهما غير التعزير؟
فلا يلزمهما حد، بل يعزران تعزيرا بليغا، قال الشيخ تقي الدين: لا خلاف بين العلماء أن غير المكلف يعزر على الفاحشة تعزيرا بليغا.
رمى صبية بالزنى أو صبيا
(السابعة) فيمن رمى صبية بالزنى أو صبيا، فإن كان يمكن الوطء من مثله -كبنت تسع وابن عشر- فهذا يقام الحد على قاذفهما، وإن لم يبلغا -بخلاف الصغير الذي لا يجامع مثله، والصغيرة التي لا يجامع مثلها- فليس على قاذفهما إلا التعزير، وأما الصغير إذا قذف الكبير فليس عليه إلا التعزير.
تفسير الشرطين
(الثامنة) عبارة "الشرح" في تفسير الشرطين، وكذلك عبارة "الإنصاف" التي نقلت، فالذي عليه الفتوى: أن الشرطين الصحيحين لا يؤثران في العقد كما هو اختيار الشيخ تقي الدين.
دية الجراح المقدرات
(التاسعة) الجراح المقدرات، مثل الموضحة والمأمومة والجائفة إذا كانت في العبد، فديتها في نسبتها من ثمنه، فالموضحة في الحر ديتها نصف عشر الدية، ومن العبد نصف عشر قيمته بعد البرء.
دية المملوك قيمته
(العاشرة): دية المملوك قيمته، سواء كثرت أو قلت، وإذا قتل الحر العبد لم يقد به؛ لقوله تعالى: ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ﴾ ١.
الإقرار بالزنى
(الحادية عشرة): الإقرار بالزنى هل يكفي فيه مرة أو أربع؟
فالمسألة خلافية بين العلماء، والأحوط أنه لا بد من الإقرار أربع مرات، كما هو مذهب
_________
١ سورة البقرة آية: ١٧٨.
1 / 50
الإمام أحمد، ولا بد أن يقيم على إقراره، فإن رجع عن إقراره لم يقم عليه الحد، بل لو شرعوا في إقامة الحد عليه، فرجع ترك، لحديث ماعز، والله أعلم.
رسالة سابعة: سرقة الدابة
بسم الله الرحمن الرحيم
من حمد بن ناصر إلى الأخ جمعان جعله الله من أهل العلم، والإيمان، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والخط وصل -أوصلك الله إلى رضوانه، وكذلك المسائل التي تسأل عنها.
(الأولى): إذا سرقت الدابة، ونحرت ... إلخ.
(فالجواب): إن الدابة إن سرقت من حرز مثلها كالبعير المعقول الذي عنده حافظ، أو لم يكن معقولا، وكان الحافظ ناظرا إليه أو مستيقظا بحيث يراه، ونحو ذلك مما ذكر الفقهاء في معرفة حرز المواشي، فهذه إذا سرقت من الحرز فعلى السارق القطع بشروطه. فإن لم تكن في حرز فلا قطع على السارق، وعليه غرامة مثلي قيمتها، وهو مذهب الإمام أحمد، واحتج بأن عمر غرم حاطب بن أبي بلتعة حين نحر غلمانه ناقة رجل من مزينة مثلي قيمتها.
وأما من سرق من الثمرة، فإن كان بعدما آواها الجرين فعليه القطع. فإن كان قبل ذلك بأن سرق من الثمر المعلق فلا قطع، وعليه غرامة مثليه في مذهب الإمام أحمد. وقال أكثر الفقهاء: لا يجب فيه أكثر من مثله، وبالغ أبو عمر بن عبد البر، وقال: لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بغرامة مثليه.
والصحيح ما ذهب إليه الإمام أحمد لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه
1 / 51