والنطق يخرج من القوة إلى الفعل بأن يحصل في نفس الإنسان معلومات. وحصول المعلومات يكون بدرجات أولها علم هذا المشار إليه. وهذا يكون أولًا بحصول حال هذا المشار إليه في القوة المتخيلة حصولًا مجملًا دون أن يجوز التخلي فيه، ويبرز صفة من صفاته، لا أنه الأبيض ولا أنه الطويل ولا النحيف، بل يميزه مجملًا، ولا يلتفت إلى صفة من صفاته، وهذا لضعف العلم بالشيء يشبه تخيل الحيوان الذي له تخيل. ثم إذا تمكن حال هذا المشار إليه في القوة المتخيلة، ارتقى الإنسان إلى هذا المشار إليه بصفات مفصلة يعرفه بها بالإضافة إلى مشار إليه واحد بعينه في العدد يميزه منها فيميز زيدًا بأنه الطويل الأبيض النحيف، ويأخذ هذه الصفات في التخيل كأنها شيء واحد بعينه في العدد، مضافة إلى مشار واحد بعينه في العدد، ذ هي مضافة إلى واحد بعينه في العدد يميزه منها فيميز زيدًا بأنه الطويل الأبيض النحيف، ويأخذه هذه الصفات في التخيل كنها شيء واحد بعينه في العدد، مضافة إلى مشار واحد بعينه في العدد، إذ هي مضافة إلى واحد بعينه. ولذلك زعم قوم ن ما تدل عليه الألفاظ باطل، إذ كانت تدل على كثرة فيما ليست فيه كثرة ولا هو كثير، لأن هذا المشار إليه الذي هو الطويل والأبيض ليس بكثير. وهذا كما ذكر الشيخ أبو نصر مخالفة للمحسوس وللمعارف وخروج عن الإنسانية. وبهذه المعرفة تحصل للإنسان المعرفة بالأشخاص من جهة ما هي أشخاص مشار إليها، وبها يحصل شخص زيد ويعلم. والصفات التي يعرف بها على النحو الذي ذكرته هي أشخاص الأعراض التي لا يوصف بها سواه، ولا يقع بها تشابه بين اثنين أصلًا، لأن تلك الأعراض لا يوصف بها سواه، لأن البياض الذي في زيد ليس هو البياض الذي في عمرو. به ما هو شخص بياض. وبعد حصول المتخيلات في القوة المتخيلة على هذا النحو تكون القوة الناطقة تنظر ببصيرتها فترى المعاني الكلية التي تحمل على ما في القوة المتخيلة، وبها تخيل وتميز ما هو كل واحد منها.
وإذا ذكرت الألفاظ الدالة على هذه المعاني الكلية ميزتها وأحضرتها ورأتها، وذلك على ثلاث جهات: إحداها: أن تحضر القوة الناطقة هي هذه المعاني الكلية، وتراها في الأشخاص المتخيلة التي أخذتها عنها، فتحضر القوة الناطقة التي لزيد المعنى الكلي، وتراه ببصيرتها في أشخاص غير الأشخاص التي تراها فيها قوة عمرو، والناطقة على هذا تميز المعاني الكلية عند الجمهور وعند أولي النظر، فتكون المعاني الكلية متميزة عند الجمهور على هذا النحو فيرونها في أنفسهم ويحضرونها على ما ذكرته.
والجهة الثانية: أن تميز القوة الناطقة هذه المعاني الكلية حق الميز، لكن متى رأتها ببصيرتها، وحضرت في النفس مرئية، فإنما تراها ببصيرتها في القوة المتخيلة أيضًا وإن تفعل القوة المتخيلة أيضًا، ما شأنها أن تفعله من المحاكاة، بن تحاكي المعنى الكلي، وتصور فيها صنمًا يعم أكثر من واحد، ولا يعم كل ما يقال عليه ذلك المعنى، كما يحاكي المصور صورة فرس من حجارة وكما يخطه الرسام في بسيط، لكن ما تحاكيه القوة المتخيلة أكمل، لأنها تحاكي، لأنها تصور صورة فرس متغذ صهال، لكن ما يعم كل ما تحايكه كل فرس، لأنها إنما تحاكي الأشياء محدودة بنهايات ومقدار من المقادير، فلا يعم صنمها مثلًا الفرس الكامل والمتوسط ولا المهر، وإنما يعم صنمها ما كان على المقدار الذي حاكته. فإذا ميزت القوة الناطقة المعاني الكلية، ورغبت إلى إحضارها لتراها وتبصرها ببصيرتها عند الفكر أو عند التفهم بالقول والمخاطبة، فإنما تراها ببصيرتها في الصنم الذي حاكته القوة المتخيلة. لكن القوة الناطقة تميز في ذلك الصنم أن عمومه ليس على الكمال، فلا يضرها ذلك فيما تفكر فيه وتبحث عنه في ذلك المعنى المعقول. وعلى هذا النحو من التمييز تتميز المعاني الكلية عند الصناع وعند أكثر من ينظر في العلوم فإن الصانع عندما يفكر كيف يصنع مصنوعًا ما، يحضر صنم ذلك المصنوع فيميزه ويتخيله ويدبر كيف يصنع، وكذلك الناظر في العلوم. معلوماته ليعلم ما هي وغير ذلك مما يوصف يحضرها أصنافًا في القوة المتخيلة.
1 / 26