وأما أي عقل هذا العقل، وكيف لنا تصوره التصور الأتم بحسب طباع الإنسان، وهل تصوره الأكمل هو بحسب طباعنا أو بحسب طبيعته، فإن كان بحسب طبيعته فهو تصور تام من حيث هو موجود، وإن كان بحسب طبيعته، فإن كان بحسب طبيعته فهو تصور تام من حيث هو موجود، وإن كان بحسب طباعنا كان التصور في نفسه تم، إذ لا يمكن أن يكون أنقص فإنه ليس بذي هيولى كالزمان والحركة والمكان وسائر الموجودات الناقصة. وما هل تصور الموجودات الناقصة الوجود بحسب طباعنا أو بحسب طبعها ففيه فحص وعويص. وأما الكاملة فقد لخص القول فيها أرسطو فيما بعد الطبيعة، وذكر ذلك مرسلًا في أول المقالة الأولى من كتاب الفلسفة الأولى، وقد ذكره أبو نصر وغيره وأرشد إليه.
وهذا القول جرت العادة أن يقال في التصورات الناقصة أما لأنها ناقصة كذلك بطباعها، أو لأنها كذلك من أجل طباعنا، فنقول: إن المعقولات الأول التي تفيدنا إياها الطبيعة من غير سعي لنا في ذلك نعمده ولا تفكر، فهي المبادئ الأولى للفكرة والروية، وبها يسمى الجسم الموجودة فيه هذه إنسانًا ناطقًا بتواطؤ، فهي المقولات. فإن أي حيوان لم توجد فيه هذه ما أنها فيه بالقوة وهو كذلك بالطبع كالجنين ساعة يولد، أو بالعرض كالحد أصناف المعتوهين، فإن ذينك ليس واحد منهما إنسانًا بالإطلاق، فإن سمي إنسانًا فعلى الجهة التي يسمي الجنين عند كمال الخلقة في الرحم إنسانًا، وإنما هو إنسان متكون، والآخر إنسان خارج عن الطبع.
فالمقولات هي تصورات لأمور موجودة في أجسام محسوسة، فكل واحدة منها صورة مجردة عن الهيولى، لكن لا تفيدها الطبيعة إلا مقترنة بموضوعاتها غير مجردة عنها وغير متصورة مكتفية بأنفسها، كما نجد ذلك عند الصبي أول ما يعبر عنها في نفسه، فيسال ويجيب، فإنه إذا سئل عن محسوس واحد بعينه كم هو وأين هو وكيف هو ومتى كان، أجاب عن كل سؤال بواحد من أنواع المقولات الخاصة بذلك السؤال أو أجناسها المتوسطة وأشخاصهم، ثم بعد هذه الحال تصير له حال أخرى، وهي التي تسمى الروية، فيركب ويفصل ويفتش، وبالجملة فهو في الحالة الأولى الطبيعية إنما يسلك العقل عنده على خط مستقيم غير متقسم، وكذلك ما لم تحصل له الروية النظرية، أو من العملية الجزء الذي تشارك فيه النظرية. فإذا حدث له شيء من النظرية فقد قسم الخط بنصفين، وثنى أحد النصفين على الآخر، وخرج العقل من سلوكه على دائرة إلى سلوكه على خط لولبي، وهو عند ذلك يجعل العقل شيئًا ما موجودًا أو يقيمه مقام الموجودات الهيولانية، ويكون العقل في حال وضعه مؤلفًا من شيئين: من المحمول وبه يصير معقولًا، ومن الحال التي بها صار معقولًا موضوعًا لا. فإن الموضوع إن كان هو والمحمول واحدا من جميع الجهات، لم يكن ذلك محمولا ولا هذا موضوعًا، ولا كان المؤلف منهما قضية، ولذلك لا يصدق ولا يكذب، وإنما يكونان اسمين مترادفين، وقد تلخص ذلك في كتاب الحروف.
والمعقول يوجد موضوعًا بوجوده: أحدها عندما يحمل عليه حده أو أجزاء حده التامة. مثل قولنا: الكرسي جسم من خشب صنع ليجلس عليه، وقولنا: الكرسي جسم.
والثاني عندما تحمل عليه الأعراض كقولنا: الكرسي طويل أو عريض.
والثالث وعندما تحمل عليه الأحوال المنطقية كقولنا: الكرسي جنس متوسط.
والرابع أو عندما نفحص عنه كيف وجوده المعقول، لا كيف وجوده الهيولاني. فإن الفحص عن وجوده الهيولاني، وهو وجوده في أشخاصه، يقف بنا على جسده، وفحصنا عن وجوده المعقول ليس يقف بنا على هذه، بل يقف بنا على ما هو العقل بالفعل، لأنه لا فرق عند ذلك بين وجود الكرسي وبين وجود الإنسان من حيث هما معقولان.
وهناك وجوه أخر تعديدها فيما نحن بسبيله فضل لا يحتاج إليه، فلنقتصر من أصناف الحمل على هذه، ولنفصل القول فيها فعند ذلك يظهر لنا الحال التي حاكاها أفلاطون بالسلوك على الدوائر اللولبية، وأرسطو بانثناء الخط المستقيم.
وجمع أنواع الحمل إذا أحصيت الإحصاء اللائق بهذا الفحص كانا: إما حمل موجود في مشار إليه على موجود مشار إليه كيف كان، أو يستند إلى مشار إليه، وأقسامه: حمل الجنس والفصل على النوع، وحمل الجنس على النوع.
وحمل العرض على النوع.
والحمل من طريق ما هو على الشخص.
والحمل من طريق ما ليس هو على الشخص.
1 / 22