إنما عرض للنيلوفر وأشباهه أن يظهر بطلوع الشمس وينغمس في الماء عند غيبوبتها، من قبل أن عنصرها غليظ بارد إلا أن بها رطوبة، وجوهرها من شأنه أن يقبل الانبساط. فلذلك إذا طلعت الشمس، وتحرك الهواء عنها، حرك الماء بنوع حركته فوصلت إليها تلك الحرارة، وانجذب ذلك الجوهر الحار، فمانعه الجو البارد، ولم يستطع التخلص عنه، فيتحرك علوًا. لأن قوة ذلك الجوهر البخاري في الماء أشد من قوته في الهواء، وقوة الجزء البارد في الماء أضعف منه في الهواء. فلذلك يتحرك علوًا حتى إذا صار في الهواء صار كأنه بين الجوهرين بالضد وعند ذلك ينفتح الزهر لأن انفتاح الزهر حركته حركة وارد فإذا غربت الشمس برد ذلك البخار وغرق، وفعل البارد بقوته على الحركة في الهواء، فانغلق الزهر، وتقبض النبات، وغاص الجزء المرتفع في الماء.
وقد يتشكك متشكك فيقول: إن الشمس نسبتها إلى الأرض في المشارق والمغارب واحدة بالنوع. ولذلك إما أن تكون الحرارة الواصلة عنها إلى الأرض واحد، أو تكون الحرارة في الغروب أكثر، فيلزم من ذلك إما ألا تتحرك هذه الأشياء هذه الحركات المتقابلة أو يتحرك واحد منها، وتكون الحركة المقابلة وسط النهار.
والجواب: إن الشيء الواحد يتحرك حركات متقابلة في مواد متقابلة مثل النار التي تذيب الذهب وتجمد الخزف. وأيضًا فإن الحركة إنما تلتئم بوجود المحرك والمتحرك، فأول النهار يحرك بحرارته التي يستفيدها لأن المتحرك عنه موجود وهو الحار بالقوة، وآخر النهار يحرك بالبرد لأن البارد بالقوة موجود في ذلك الوقت.
وقد تلخص كيف ذلك في غير هذا الموضع.
هذا ما وجد من كلامه في هذا وغيره.
نسأل الله العظيم التوفيق في العلم والعمل وخاتمة خير في عافية.
الحمد لله على إحسانه وصلى الله على سيدنا محمد الهادي إلى الرشاد وآله وسلم تسليمًا وهو خير من توكل عليه.
؟ومن كلامه في البحث
؟عن النفس النزوعية
ولم تنزع وبماذا تنزع
بسم الله الرحمن الرحيم قال: والنفس النزوعية أما أن تكون جنسًا لثلاث قوى وهي: النزوعية بالخيال: وبها تكون التربية للأولاد، والتحرك إلى أشخاص المساكن، والألف والعشق وما يجري مجراه.
والنفس النزوعية بالنفس المتوسطة، وبها يشتاق الغذاء والدثار. وجميع الصنائع داخلة في هذه.
وهاتان مشتركتان للحيوان.
ومنها النزوعية التي تشعر بالنطق، وبها يكون التعليم والتعلم وهذه يختص بها الإنسان فقط.
وإما أن تقال على هذه الثلاث بتقديم وتأخير.
وبين أن كل حيوان فله النفس النزوعية المتوسطة وبها يشتاق. وقد يوجد من الحيوان ما ليس له شوق الخيالية. وشوق النزوعية المتوسطة متقدم بالطبع للنزوعية الخيالية، وظاهر أن كل إنسان على المجرى الطبيعي فله هاتان القوتان متقدمتان على النزوعية والناطقة بالطبع.
وقد تبين في الثامنة أن كل متحرك فله محرك، ومحركة غيره، وتلخص هناك أجناس المحرك، والمتحرك قد يكون متحركًا بالطبع وقد يكون خارجًا عن الطبع، فالمتحرك بالطبع كالحار، وأما الخارج عن الطبع فكسهم المنجنيق. وكذلك المتحرك قد يتحرك خارجًا عن الطبع كالحجر إلى فوق، وقد يتحرك بالطبع كالحار بالقوة والجاهل إلى العلم.
والمتحرك بالطبع أما من ذاته وهو ما كان محركه فيه، وأما من غيره وهو ما كان محركه خارجًا عنه. وأعني به أن يكون محركه به وجود ذلك المتحرك، من حيث هو ذلك النوع من الجواهر الجسمانية، حتى يكون به قوام ذلك الجوهر، ويكون ذلك داخلًا في حده كالحال في الحيوان. وهذا قد يكون طبيعيًا وبذاته، وهو كأصناف الحيوان، وقد يكون صناعيًا كالميكانة، والصناع فهو داخل فيها بالعرض وخارج عنها بالطبع. فهناك جرت العادة بتحديده وتلخيص القول فيه في موضع آخر.
والمتحرك من ذاته فبين أنه منقوم من المحرك والمتحرك. وما كان غير متقوم من هذين الجنسين فليس بمتحرك من ذاته. مثال ذلك الحجر، فإن المحرك فيه ليس بذاته، لكنه فيه من خارج عن ذاته بالقسر، فإن الذي للحجر بذاته كونه أسفل. وإذا كان كذلك فليس بمتحرك، وإذا كان فوق فوجوده إنما هو له بقاسر يقسره، وإذا تنحى القاسر تحرك إلى أسفل. فلذلك يحتاج في الحجر ضرورة إذا تحرك أن يكون أسفل بالقوة، ولا يكون أسفل بالقوة إلا بأحد وجهين: أحدهما طبيعي وهو متى كان الحجر أرضًا بالقوة.
1 / 11