بشر بن خالد: البلاغة التقرب من المعنى البعيد، والتباعد عن خسيس الكلام، والدلالة بالقليل على الكثير.
خالد بن صفوان: ليس البلاغة بخفة اللسان، ولا بكثرة الهذيان، ولكنها إصابة المعنى، والقرع بالحجة.
عمر بن عبد العزيز: البليغ من إذا وجد كثيرا ملأه، وإذا وجد قليلا كفاه، ابن عتبة: البلاغة دنو المآخذ وقرع الحجة والاستغناء بالقليل عن الكثير . بعضهم: إني لأكره للإنسان أن يكون مقدار لسانه فاضلا عن مقدار عقله، كما أكره أن يكون مقدار عقله فاضلا عن مقدار لسانه وعلمه، يكفي من حظ البلاغة ألا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق، ولا يؤتى الناطق من سوء فهم السامع.
عمرو بن عبيد ما البلاغة؟ فقال: ما بلغك الجنة وعدل بك عن النار، وما بصرك بمواقع رشدك وعواقب غيك. فقال السائل: ليس هذا أريد. فقال: من لم يحسن أن يسكت لم يحسن أن يسمع، ومن لم يحسن الاستماع لم يحسن القول، قال: ليس هذا أريد. قال النبي - عليه الصلاة والسلام: إنا معاشر الأنبياء بكاؤون. وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله. فقال له السائل: ليس هذا أريد، قال: كانوا يخافون من فتنة السكوت وسقطات الصمت. فقال: ليس هذا أريد. فقال: فكأنك إنما تريد تخير اللفظ في حسن إفهام؟! إنك أردت تقرير حجة الله في عقول المكلفين، وتخفيف المؤنة عن المستمعين، وتزيين تلك المعاني في قلوب المريدين بالألفاظ المستحسنة في الآذان المقبولة عند الأذهان، رغبة في سرعة استجابتهم، ونفي الشواغل عن قلوبهم بالموعظة الحسنة على الكتاب والسنة، كنت قد أوتيت فصل الخطاب، واستوجبت من الله - سبحانه - جزيل الثواب.
الخليل بن أحمد: كل ما أدى إلى قضاء الحاجة فهو بلاغة، فإن استطعت أن يكون لفظك لمعناك طبقا، ولتلك الحال وفقا، وآخر كلامك لأوله مشابها وموارده لمصادره موازنا فافعل، واحرص أن تكون لكلامك متهما وإن ظرف، ولنظامك مستريبا وإن لطف بمواتاة آلتك لك، وتصرف إرادتك معك، فافعل، إن شاء الله.
وهذه الرسالة عذراء؛ لأنها بكر معان لم تفترعها بلاغة الناطقين، ولا لمستها أكف المفوهين، ولا غاصت عليها فطن المتكلمين، ولا سبق إلى ألفاظها أذهان الناطقين، فاجعلها مثالا بين عينيك ومصورة بين يديك، ومسامرة لك في ليلك ونهارك تهطل عليك شآبيب منافعها، ويظلك منها بركاتها وتوردك مناهل بلاغاتها، وتدل على مهيع رشدها وتصدرك، وقد نقع ظمؤك بينابيع بحر إحسانها إن شاء الله - عز وجل - والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
القسم الرابع
رسالة ابن القارح إلى أبي العلاء المعري
توطئة للناشر
ظفرنا بهذه الرسالة في خزانة كتب أستاذنا الشيخ طاهر الجزائري، كتبه أبو حسن علي بن منصور الحلبي المعروف بابن القارح إلى أبي العلاء المعري، فأجاب عنها هذا في رسالة خاصة سماها رسالة الغفران طبعت بمصر (سنة 1321ه/1903م) في مطبعة هندية، أما ابن القارح وكان يلقب بدوخلة، فكان شيخا من أهل الأدب راوية للأخبار حافظا لقطعة كبيرة من اللغة والأشعار قئوما بالنحو. وكان ممن خدم أبا علي الفارسي في داره وهو صبي، ثم لازمه وقرأ عليه وكانت معيشته التعليم بالشام ومصر.
Halaman tidak diketahui